رحى للمدن القديمة

عيد الأضحى، كيف كانت طقوسه وشعائره في حلب قديماً؟

عيد الأضحى يحتفل المسلمون به تذكاراً لإبراهيم الخليل الذي أراد تقديم ابنه تضحية لـ(الله)، وفيه يقومون بمناسك الحج ويذبحون الذبائح ليوزعوا لحمها على الفقراء والمحتاجين، ويمتد العيد على أربعة أيام فهو ملتقى الأهل والأحبة.

طقوس الذهاب إلى الحج في حلب قديماً

منذ أن فُرض الحج على المسلمين كانوا يستعدون لتأدية مناسكه قبل عدة أشهر، حيث يتم تحضير الطعام والشراب اللازم لهذه الرحلة الطويلة، ففي مدينة حلب كانوا يتزودون الحجاج الأطعمة من أسواق حلب القديمة.

ومن أتى من خارج المدينة من البدو والريف وأهل العراق وإيران، كانوا يتمركزون عند الجامع الكبير للاستراحة، والاستعداد للسفر براً مشياً على الأقدام وكانت هذه الرحلة تبدأ قبل ستة أشهر، والبعض كان يسافر قبل ثلاثة شهر على الدواب مثل الجمال وغيرها، والبعض من الميسورين على البواخر، وفي القرن التاسع عشر على متن القطارات عندما كان خط الحجاز الحديدي يعمل قبل وقوفه.

وكان طريق حجاج استانبول والأناضول وماوراء الامبراطورية العثمانية وشرق العالم العربي قاصدين مدينة حلب وكانوا يصلون إليها بشكل فردي أو جماعات.

فإذا جاؤوا جماعات كبيرة فإن تجمعهم يكون في حي الحاضر (هو حي ضخم كان قائماً خارج الأسوار القديمة ويشكل قوساً يحيط بالمدينة القديمة من باب قنسرين حتى حي الفردوس، كان يدعى -الحاضر السليماني- ويضم محلة الكلاسة وهذه المحلة تعتبر من أقدم أحياء حلب القديمة)، أما الأفراد والجماعات الصغيرة فتتجمع في خانات المدينة.

وكان حجاج مدينة حلب ينطلقون من منطقة جسر الحج(سمي بذلك لتجمع الحجاج فيه)، ويتوجهون إلى مدينة دمشق مركز التجمع الرئيسي ويصطحبهم والي حلب وكبار القوم من العلماء والأئمة وأصحاب الحرف وغيرهم لمسافة عدة أميال، ويرافق الكثير من الحجاج نساؤهم وأقاربهم إلى مسافة بعيدة.

للقوافل أميراً يسمى (أمير الحج)، وكان حجيج أهالي حلب يجتمعون ويشكلون قافلة مؤلفة من الكبار والصغار، وتلتقي قافلتهم مع القافلة الشامية أثناء رحيلهم من حلب إلى دمشق.

 

كان الذهاب إلى الديار المقدسة محفوفاً بالمخاطر ومكابدة الأهوال،فالحجاج يسيرون بشكل قوافل، تتعرض أحياناً للسلب والنهب والغزو من قبل قطاع الطرق والقراصنة والغارات، عدا شح المياه. وقد تضطر عندما تتعرض للمشاحنات والاقتتال إلى تغيير طريقها المعتاد، لتفادي الوقوع وسط القبائل المتنازعة، إذ تتوقف سلامة القافلة على الاتفاق الودي بين القبائل، ولهذا يقولون:

الذاهب مفقود والعائد مولود

 

عيد أضحى
قافلة الحج

عيد الأضحى في حلب

استعداداً للعيد وقبل يوم من العيد الذي يسمى يوم (الوقفة) تنار المدينة وهي مزدحمة بالأشخاص والبائعين المتجولين الذين يقومون بالترويج لبضاعتهم بنداءات وعبارات ملفتة ولكل بائع لحنٌ خاص وتتحول أسواق حلب وشوارعها إلى بحر متلاطم من البشر وكل شخص يبحث عن حاجته.

ومن نداءات الباعة :

ياريت كل يوم عيد ومكسب ما منريد

وكان الأطفال في حلب لهم أهازيجهم الخاصة قبل العيد ويقولون:

  •  بكرا عيد منعيّد        مندبح بقرة السيّد

            والسيد مالو بقرة       مندبح مرتوا هالشقرة

 

  •  بكرا عيد أبونا سعيد  لفتو حمرا وطربوشو جديد

 

 

عبد الأضحى
أسواق حلب القديمة

 

في فجر العيد ينهض كل شخص لتنفيذ مهامه فالنساء يقمن بتحضير مكان الاستقبال  وبإعداد قهوة العيد العربية (المرّة)، ووضع الحلويات المتعارف عليها بحلب كـ(الكرابيج و المعمول والحلو العربي بأصنافه المتعددة).

القهوة المرة
القهوة العربية

حيث تشتهر حلب بالكنافة البلورية واختصت بها وتسمى أيضاً البصمة، والكرابيج هو نوع من الحلويات تقدم بالأعياد خاصةً بحلب ومنها انتشرت إلى بقية المدن السورية وإلى لبنان، وتقدم في الأعياد، وتغمس القطعة بالناطف ويرش عليها مدقوق القرفة.

عيد الأضحى
كرابيج
يلورية
كنافة بلورية (بصمة)

 

أما الرجال يذهبون إلى المساجد مكبرين مهللين إلى أن تحين صلاة العيد، وعندما تتم الصلاة يصعد الخطيب إلى المنبر يُحدّث الناس في أمور دينهم ودنياهم، ويقوم المصلين مصافحين معايدين بعضهم، وبعدها يمضون إلى المقابر يزورون موتاهم ويقرؤون ما تيسر من القرآن على أرواحهم، ثم يقومون بذبح الأضاحي وتوزيعها على معارفهم، ومن ثم يقيمون الولائم (يكون الطعام عند الفقير والغني يحتوي على اللحم).

ومن الاعتقادات في العيد:

 اللي بيتحنن بعيد الضحايا بلاقي بسنتو لقايا

 

عيد الأضحى
أضاحي العيد

 

تقام عادةً الولائم عند عميد الأسرة لتقديم التهاني بقدوم العيد ويرتدي الجميع الثياب الجديدة وتبدأ مرحلة الزيارات المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء لتبادل المباركات بالعيد، وفي هذا الوقت يكون حجاج بيت الله الحرام واقفين متضرعين ومتوسلين إلى الله عز وجل.

 

وعند انتهاء العيد كان يقول الأطفال أهازيجهم:

خلص العيد وفرحاتو وإجا الشيخ وقتلاتو 

(ويقصد هنا بشيخ الكتّاب الذي كان يقوم بتعليمهم)

 

عودة الحجاج بعد عيد الأضحى

توسعت مدينة حلب القديمة، فانتشرت بعض الأحياء خارج أسوارها وبالقرب من أبوابها في القرن السادس الميلادي ومابعده حتى بداية القرن الثالث عشر الميلادي حيث نشأت ضواحي سكنية كبيرة شرقي وشمالي وغربي المدينة القديمة حول خندقها المحيط بها أو بالقرب من نهر قويق، ولقد كانت الجسور المتعددة هي وسيلة الانتقال بين المدينة وضواحيها عبر الخندق أو عبر النهر ومن هذه الجسور جسر الحج حيث  كان يأتي الحجاج إلى حلب من طريق خانطومان فجسر الحج، وعلى هذا الجسر كانت تقام حفلات استقبال الحجاج بالطبول والزمور والزغاريد، وعند رؤية الحاج والترحيب به، يُقال:

حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً

من ثم يذهب الأهل والأصحاب إلى بيت الحاج وعند الوصول تبدأ مراسم الاستقبال من خلال السيف والترس وقبل الدخول يعمد بعض الحجاج إلى ذبح الخراف بحيث تقام الأفراح والأناشيد بالعودة إلى دياره، ليتم بعدها تناول الطعام من قبل المشاركين بالتهنئة وكانت تحتوي المائدة على مختلف أصنفة الأطعمة التي تشتهر بها حلب كالكبة حيث ذكر خير الدين الأسدي في موسوعة حلب المقارنة (58) نوعاً فقط من الكبة وهي بضعاً من أنواعها، وأبرزها: الكبة المشوية والصاجية والصينية والمقلية والكبة بسياخ والكبة سماقية والكبة سفرجلية، والمحاشي أيضاً تتعدد أصنافه وأنواعه في حلب، وعش البلبل ولحم العجين و لحمة بالكرز وغيرها الكثير من الأطعمة التي تكون حاضرة على مائدة الطعام.

عيد الأضحى
عش البلبل
عيد الأضحى
لحمة بالكرز
كبة سفرجلية
عيد الأضحى
كبة مشوية

وتمتد هذه الولائم لمدة ثلاثة أيام على التوالي ليقوم الحاج بعدها بتقديم الهدايا لضيوفه وتحتوي على ثلاث قطع من السبحة والتمر وماء زمزم، وأحياناً كانت توزع أيضاً سجادة صلاة،ومن العادات في حلب تقديم راحة الحجاج كنوع من الضيافة والترحيب بضيوف الحاج ثم يجلس الحاج مع زائريه ليحدثهم عما رآه أو سمع به وما طقوس الحج وما شعر به طوال فترة الحجيج.

راحة حلبية
راحة الحجاج

وهكذا نجد أن عيد الأضحى يتميز بشكل كبير بالطقوس والشعائر الدينية والتراثية التي اعتاد المسلمون ممارستها في العيد وهي الامتداد التاريخي للموروث الثقافي لتراث الأمة.

المراجع:

  • كيال،منير. صور دمشقية من ذاكرة المكان.
  • السامرائي، فراس حياوي.التقاليد والعادات الدمشقية.
  • الأسدي،خير الدين.موسوعة حلب المقارنة،م3.
  • الأسدي،خير الدين.موسوعة حلب المقارنة،م5.
  • حريتاني، محمود.أحياء حلب القديمة.
  • الرحال،أماني خليل.طريق الحج وعمائره الخدمية في سورية في الفترة العثمانية،دمشق، 2015م.
  • خوام،جورج عبد الكريم.خصوصية حلب.