رحى للمدن القديمة

تدمر و طريق الحرير ملتقى الثقافات والحضارات

تدمر مدينة القوافل وملتقى الثقافات والحضارات فهي لؤلؤة الصحراء ومدينة أثرية متكاملة من معابدها المذهلة وشوارعها التي تملأها الأعمدة فرسمت حضارتها بآثارها وحملت عبق الماضي للمستقبل.

الموقع

تقع هذه المدينة في وسط البادية السورية ومن أهم أسباب نشوئها وجود نبع أفقا الذي تمتع بقدسية لدى سكانها.

التسمية

اشتق اسم تدمر من تدمرتو أو تدمرتا أي الأعجوبة وتعود هذه التسمية إلى القرن التاسع عشر ق.م، أما اسم بالميرا  ويعني مدينة النخيل يعود إلى القرن الأول الميلادي.

اللغة التدمرية

إن اللغة التدمرية أحد فروع اللغة الآرامية التي كانت لغة سكان تدمر بالإضافة إلى اللغتين اليونانية واللاتينية وهما اللغتان الرسميتان خلال العصر الكلاسيكية.

تدمر وطريق الحرير

لمحة تاريخية عن تدمر

لتاريخ تدمر أهمية كبيرة فقد عاشت المدينة خلال العصر الروماني نهضة اقتصادية منذ منتصف القرن الأول ق.م،  وكان السلام الذي عاشته تدمر بفضل بعدها عن الحروب بين قادة الرومان أنفسهم أو تلك الحروب التي نشبت بين الرومان والبارثيين من أهم العوامل التي ساعدت على ازدهارها.

إضافةً إلى موقعها التجاري بوصفه محطة تجارية مهمة للقوافل التجارية بين الشرق والغرب وارتبطت تدمر في مطلع القرن الثاني بعلاقات جيدة مع الرومان فكانت تتمتع بالحكم الذاتي على الرغم من تبعيتها للسلطة الرومانية، ومما زاد في نشاطها التجاري احتلال الرومان في عام 106م لمدينة البتراء عاصمة دولة الأنباط وإلحاقها بالولاية العربية التي كانت عاصمتها مدينة بصرى.

وفي نهاية القرن الثاني حكمت الأسرة السيفيرية روما وفي عصرها عاشت تدمر فترة استقرار وازدهار وتم منحها امتيازات أهمها إعطاؤها لقب مستعمرة رومانية وهذا يعفيها من دفع الضرائب.

ازدهرت تدمر بوصفها مملكة في عهد أسرة أذينة بين عامي 235-273م وكانت تتمتع بإمكانات اقتصادية وعسكرية كبيرة وكان لهذه الأسرة علاقة قوية مع روما، وبعد وفاة أذينة تسلّم ابنه وهب اللات الحُكم الذي كان تحت وصاية أمه زنوبيا والتي اتسعت بعهدها حدود تدمر، وهذه العظمة التي وصلت لها مملكة تدمر هددت نفوذ السلطة الرومانية في الشرق مما أدى إلى قيام حرب بينهما وانتهت بانتصار أورليانوس امبراطور روما وتدمير المدينة في عام 273م.

وفي نهاية القرن الثالث الميلادي قام الإمبراطور ديوقليسيانوس بترميم أجزاء من أسوار المدينة من أجل حماية الفرقة العسكرية الأولى كما قام ببناء معسكر لجيشه على أنقاض القصر الملكي في الجزء الغربي من المدينة ورمم حمامات زنوبيا.

وفي القرن الرابع دخلت المسيحية إلى تدمر وهُجرت معابدها وتحول بعضها إلى كنائس مثل بل وبعل شمين، وقد اهتم أباطرة بيزنطة بها خلال العصر البيزنطي من أهمهم جوستينيانوس الذي قام بتدعيم أسوارها وتقويتها وحمايتها من الخطر الساساني. تحولت هذه المدينة خلال القرنين الخامس والسادس ميلادي إلى مركز مهم لمملكة الغساسنة، وأخيراً فتح خالد بن الوليد المدينة سلماً في سنة 13هجري/634م .

تدمر

تدمر تجارياً وطريق الحرير

بالانتقال إلى تدمر وتجارتها فكان لها طابع خاص حيث كانت التجارة الدولية الكبرى هي من أنشطة التدمريين وكانت هذه المدينة مرتبطة اقتصادياً وثقافياً بكل من حمص وحماة وحلب غرباً وشمالاً وبمدينة دمشق وسهل حوران جنوباً، وقد استفادت من موقعها الاستراتيجي اعتباراً من الألف الثاني ق.م.

تميزت بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية بموقعها الجغرافي والذي يعتبر حلقة وصل بين الشرق والغرب، فالشرق هو المنتج للبضائع والغرب المستهلك، ولذلك نمت التجارة وتطورت، وبالتالي تعددت طرق التجارة العالمية.

من الطرق العالمية الهامة طريق الحرير الذي يمتد من الصين وآسيا الوسطى ثم العراق وسورية ومن ثم إلى بلدان أوروبا، ولقد تجلت عبقرية التدمريين في إعداد نظام للقوافل قادر على اجتياز بضع مئات من الكيلومترات من الصحراء بين مدينتهم وحوض الفرات، وإن القوافل التدمرية لم تمر أبداً بالمدينتين الكبيرتين في بلاد الرافدين وعندما تصل للفرات تتابع سيرها باتجاه الخليج إلى سباسينو خاراكس عاصمة مملكة ميسان الصغيرة والتي لاتقع على هذا النهر ولكن على أحد روافد  دجلة، وإن مرفأها الأمامي لميسان كان خط الملاحة على الخليج وكان بعض من التدمريين لا يتوقفون في خركس ويبحرون من هناك لمتابعة الطريق البحري حتى الهند.

كان للطريق البحري مميزات حقيقية نسبة للطريق البري فهو أقصر ويخفف من مشاكل السفر والضرائب ورسوم الدخول الخاصة بالطريق البري، وإن منتجات الهند متعددة ومطلوبة كالحجارة الكريمة والعاج والتوابل، والحرير إبداع الصين و استطاع الحرير بطريق أو بآخر الوصول لأحد موانئ الهند وذلك عبر آسيا الوسطى وأفغانستان والوصول إلى أحد مصبات نهر السند.

وكان للحرير أهمية كبيرة في تدمر فمن خلال المكتشفات التي وجدت في بعض الأبراج الجنائزية  فقد تم الكشف أن هذه الأقمشة بعضها جلب من الصين وبعضها الآخر صنع محلياً ومن خلال الرسومات على الحرير يتم التمييز بين مجموعات متماثلة ولكن متقاربة إحداها هندية والأخرى سورية رافدية ومن هنا يتم الملاحظة  بالتقارب والعلاقات الوثيقة في مجال صناعة وتزيين بعض الأقمشة بين هاتين المنطقتين وهو دليل على حيوية الطريق ولهذا سمي الطريق بطريق الحرير، والحرير التي صنع محلياً كان يأتي لتدمر حرير خام أو خيوط حريرية ومن ثم يتم نسجه محلياً في المدن الكبرى على الساحل الفينيقي.

 تدمر وطريق الحرير
القوافل في تدمر

إذاً نجد أن للتدمريين تجارتهم الخاصة إلا أن دورهم الأساسي كان قيادة القوافل وإن طريق الحرير أقدم وأطول طريق سلكها الإنسان و ربط الشرق الأقصى بالشرق الأدنى و جمع شمل ثقافات  العالم ولم يقتصر هذا الطريق على نقل الحرير فقط بل تبادل المؤثرات الحضارية أيضاً.

 

المراجع:

  • عبد الكريم، مأمون. تدمر، موسوعة الآثار في سورية، م4، ط1، 2018.
  • عبد الله، فيصل.تدمر في الوسط الاقتصادي والسياسي في القرن الثامن عشر ق.م، مجلة الحوليات الأثرية السورية،م42.
  • شعت، شوقي. طريق البخور والحرير،مجلة الحوليات الأثرية السورية ،م42.
  • فيل، أرتست. ترجمة: إيمان سنديان، تدمر وطريق الحرير، مجلة الحوليات الأثرية السورية، م 42.