رحى للمدن القديمة

معبد عين دارا الآرامي

 

زيارةٍ قصيرة  للتل ولمعبد عين دارا الآرامي كفيل باستباحة التفكير والسيطرة عليه من قبل تلك المجسمات والتماثيل الشاخصة التي كانت تتشبث به وتحمي ما تبقى منه.

للوهلة الأولى تشعر أن وظيفة هذه المنحوتات مازالت تعطي نتائجها حتى ولو بعد ثلاثة آلاف عام.

 

موقع امتداد معبد عين دارا الآرامي

تل ومعبد عين دارا
                                                                                                 تل عين دارا

 

يقع تل عين دارا في وادي نهر عفرين علـى ضفته اليسرى، يحيط بالتل على مد النظر غابة من بساتين أشجار الرمان التفاح والخوخ والدراق والمشمش وغيرها العشرات من أنواع الشجر يحيط به عدد من القرى، سُمي التل بعين دارا نسبة إلى نبع مياه تقع جنوب جبل سمعان على بعد 800 م شرق التل.، يضم التل بقايا مدينة تابعة لمملكة بيت أجوشي الآرامية ومعبد يعد أفضل نموذج للمعابد التي نشأت من التزواج بين الأسلوب المعماري الكنعاني/الأموري، والأسلوب الآرامي.

معبد عين دارا : يتميز بأسلوب معماري مميز ومعروف بـ (Ante-temple وهي معابد ذات قاعة أمامية سابقة للمصلى، وتُعرف أيضاً بالمعبد البيت) وهو نموذج مختلف عن المعابد الآشورية والبابلية من جهة، وعن نماذج المعابد الحثية من جهة ثانية فهذا النوع من المعابد يتميز ببناء داخلي معقد ذو باحة مركزية وعدة غرف إضافية بجانب المصلى.

 

 

 

 

 

 

تاريخ التنقيب ومكتشفات البعثات الأثرية في الموقع

 

نُقب التل لأول مرة من قبل بعثة سورية بين عامي 1956-1964 ميلادي من المديرية العامة للآثار والمتاحف، ثم استؤنفت الحفريات على يد الباحث علي أبو عساف. خلال الأعوام 1982-1983-1984 ميلادي قام كل من زيمارينكي وستوب ببعض الأسبار في الجزء الشمالي من التل.

كشفت أعمال التنقيب في موقع تل عين دارا الاثري بأن الانسان عاش في هذا المكان منذ أكثر من ثمانية الاف سنة قبل الميلاد حين استوطن واستقر الإنسان في القرى الزراعية هذا في التل الصغير الذي يقع في الطرف الجنوبي من التل على مسافة مئة متر تقريباً.

أكدت المكتشفات الاثرية في قمة التل الكبير  أن الأبنية تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد حيث أن القرية كانت مزدهرة خلال الفترات التاريخية المختلفة التي سبقت الميلاد واستمرت الحياة فيها الى 1087 ميلادي وذلك حين هزم الجيش البيزنطي من قبل السلاجقة.

اثبت المكتشفات الاثرية  أيضاً أن سكان عين دارا القدماء زاولوا صناعة الحديد مثل:سكك المحاريث وقيود الحيوانات، وحلقات السلاسل وغيرها.

على قمة التل في القسم الشمالي يقع المعبد المبني من حجر البازلت الناعم وقد نحتت جميع واجهاته بأشكال نافرة شديدة البروز وتتضمن هذه المواضيع أسوداً مجنحة، أو رؤوس أمراة متقابلة بحسب مكانها. وقد برزت هذه الرؤوس بشكل أمامي تعلوها عصابة مزينة بوردة وسطها ومنتهية بقرنين كبيرين فوق الجبهة ، ويعتبر من أجمل المنحوتات التي عرفها فن النحت في تاريخ الشرق القديم، كما تم الكشف عام 1965 عن مجموعة من النقود النحاسية والفضية والذهبية والتي تعود إلى عصور مختلفة، وبعض التماثيل للآلهة الحورية، الحثية، الميتانية والميدية التي كانت تعبد في منطقة جبل الأكراد قديماً كما تم العصور على ثور يقوده رجل عملاق تصل ركبتاه إلى نصف ارتفاع الحيوان هذا يذكرنا بأسطورة جلجامش وهو يذبح الثور السماوي .

 

 

مخطط المعبد
                                                                                                  مخطط المعبد  

أقسام معبد عين دارا الآرامي

 

يرتفع المعبد فوق الأرض المجاورة، ممايشير إلى أنّه شُيد فوق مصطبة متدرجة الارتفاع من الأمام إلى الخلف.

كُسيت الواجهة الأمامية للمصطبة بلوحات بازلتية مزخرفة بأشكال تشبه الضفائر.

يتقدم المعبد باحة وهو يتألف من مصطبة، ومدخل كبير يربطه بالباحة درخ فخم، تليه قاعة أمامية مستطيلة الشكل، ثم المصلى، الذي نعبر إليه بواسطة درج صغير، وهو مربع الشكل تقريباً. يحيط بهذه القاعات جميعاً رواق طواف بديع .

الباحة:  تمتد أمام المعبد كالبساط الملون، لم يبق منها سوى بلاطات معدودة كلسية بازلتية، تشهد على روعتها وحسن زركشتها.

كان على المتعبد قبل عبورها، الاغتسال في حوض كبير، وكانت تأتيه المياه من بئر عميق ارتوازي.

 

 

 

 

مما يلفت الانتباه في هذا المعبد الدقة الأساس المتين القوي والأسلوب المعماري المتبع في ذلك حيث حُفرت حفرة عميقة في طبقة التل ثم ردمت ودكت بالحجارة الكلسية، ارتفعت فوق السطح المجاور وكسيت بنعلة بازلتية حجارتها مكعبة تقريباً، اصطفت فوقها لوحات تضم أشكال السباع وأبي الهول.

 

                                                                                         معبد عين دارا

يتم الدخول إلى المعبد بدرج بديع تزينه أشكال تشبه الضفائر، تزين العتبة الأولى صورة قدمين بشريتين والثانية صورة القدم اليسرى بلغـت أبعـاد القـدم حـوالي 36×97سـم.

لا تتوفر نصوص أدبية وقد لا تكون هذه الأقدام بشرية لأنّ مقاييسها لاتشبه مقايس أقدام البشر، ويرجح الباحثون أنّ هذه الاقدام ربما ترمز إلى دخول الرب إلى المعبد ووجوده فيه، أو تحدد كيفية الدخول إلى المعبد. على الداخل إلى المعبد أن يقف على العتبة الأولى، ليردد بعض الأدعية والتراتيل الدينية ثم يخطو بالقدم اليسرى، فيدخل المصلى بالقدم اليمنى.

 

القدم البشرية الضخمة في مدخل معبد عين دارا
                       الأقدام البشرية عند مدخل معبد عين دارا

 

يفصل الدرج الرواق إلى قسمين جانبين في كل قسم قاعدة بازلتية بيضوية الشكل يشكل سبعان بازلتيان جانبي الرواق، بينما تشكل ثمانية سباع، أربعة عل كل جنب واجهة المدخل الرئيسية لها جزأن متناظران كأن الواحد خيال للآخر .

السباع في معبد عين دارا
                                                                السباع المنحوتة على جداريات المعبد من الخارج

 

من المدخل ندلف إلى القاعة الأمامية المغلقة المبلطة بحجارة كلسية مشذبة كانت تمتد فوقها طبقة طينية كُسيت جدرانها الداخلية بنعلة ولوحات .

القاعة  الأماميـة: مسـتطيلة الشـكل تتقـدم الحـرم وتنخفــض أرضيتهــا عــن عتبتــه مقــدار 70ســم، أبعادهــا 600×1550ســم،
وللصعـود إليهـا شُـيِّد درج يتألـف مـن ثـلاث درجـات بازلتيـة منحوتـة. والحرم مربـع الشـكل تقريبـاً أبعـاده 1670×1680سـم، قسـم إلى نصفـين: خلفـي وهو المنصة التي وضعت عليها التماثيل وحوت واجهتها على محراب زُينت جوانبـه بمنحوتـات تمثـل صـور الآلهـة، وأمامـي وهـو الـذي كان عـلى الأغلـب للمصلين  أصـاب المنصـة الخـراب بفعـل النشـاط العمـراني الـذي حـدث بعـد حريق المعبد يحيط بالمعبد من جهاته الثلاثة رواق اصطفت على جانبيه دعامات مزخرفة بأشكال متعددة، وتزين مصطبته
لوحـات بازلتيـة عديـدة ذات قيمة فنية عالية.

                                                                                                 المدخل

 

نُصبـت هـذه اللوحـات بأشـكال الأسـود وأبي الهـول فوق قاعدة من الحجارة البازلتية المنحوتة، وتشكل منحوتات معبد عين دارا جـزءاً لا يتجـزأ مـن بنيتـه، وهـي التـي تضفـي عليـه مزيـداً مـن الروعـة والجمال لأنها العنصر الأهم في جدرانه، وتعكس عظمة
وغنــى الدولــة المسيطرة.

يرجح أن هذا المعبد خصص لعبادة الربة عشتار و إله الطقس حدد وذلك من خلال المعطيات المادية التي تمّ العثور عليها داخل المعبد، فبعض الألواح البازلتية التي وجدت كانت تحمل نقش  الثور الذي هو في الأساس رمز إله الطقس حدد مثلما كان مكان لرب الجبل الذي نُقشت صورته في نعلة المحراب بين الإنسان والثور والجن وبما أنّ عشتار كانت سيدة الجبال فقد كان رب الجبل من أتباعها، ومن هنا نجد أن كل نقش في هذا المعبد كان يدل على الهوية التي حملها .

 

                                                                           الألواح البازلتية التي تمثل أبي الهول

 

يـؤرخ معبـد عـين دارة وفقـاً لمنحوتاتـه بالفـترة الممتـدة بـين 1000 – 1300 قبل الميلاد، لقد كان هذا المعبد تحفة فنية ومعمارية اعطانا دلالات كثيرة عن المرحلة الدينية التي كانت سائدة في ذلك العصر.

 

 

المصادر :

1-أبو عساف، علي: معبد عين دارا.

2-تموم، جمال : آثار بلاد الشام القديمة