رحى للمدن القديمة

المسحراتي في دمشق، من هو أول مسحراتي؟

شهر رمضان مليئ بالكثير من العادات والتقاليد. كان للمسحراتي حضوره الخاص في رمضان، وظيفته كانت إيقاظ الناس إلى السحور قبل الفجر مرددأ عبارات خاصة به جاذبة للانتباه. ليتناول الناس طعامهم الخفيف قبل بدء صيامهم.

ظهور المسحراتي في التاريخ

حرص المسلمون على طعام السحور منذ القدم وتعددت الطرق والأساليب لإيقاظ النائمين على السحور, في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان الناس يعرفون وقت السحور بأذان بلال رضي الله عنه ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه.

على مر العصور بدأ المسلمون يتفننون بأساليب التسحير وظهرت وظيفة المسحراتي في الدولة الإسلامية في العصر العباسي، ويعتبر والي مصر إسحاق بن عقبة أول من طاف في الشوارع ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور.

في العصر الفاطمي أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي الناس أن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا الشعب للسحور، وبعد ذلك عين أولو الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي والذي كانت مهمته المناداة “يا أهل الخير قوموا تسحروا” وكان يدق أبواب المنازل بعصا يحملها.

في عصر المماليك ظهر ابن نقطة شيخ طائفة المسحراتية، ثم انتشرت بعد ذلك مهنة المسحراتي بالطبلة التي كان يُدق عليها دقات منتظمة بدلاً من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمى (بازة) وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء وهو يشدو بعبارات خاصة.

المسحراتي

المسحراتي في دمشق

قبل أن يمتد عمران مدينة دمشق، وتخرج المدينة من شرنقتها (سورها) كان يسحّر دمشق مسحّر واحد يصعد على مكان مرتفع ومعه طبل كبير يضرب عليه، ومن ثم تطورت الحياة وامتد عمران دمشق خارج السور وأصبح لكل حي من أحياء المدينة مسحراً خاصاً، بل قسّم الحي مناطق لكل منها مسحرها، حتى زاد عدد مسحري دمشق عن المائة في أواسط القرن العشرين.

كان كل مسحّر يتجول على البيوت الواقعة في إطار منطقته  قبل الفجر بنحو ساعة، وبيده طبلة يضرب عليها بجلدة وهو يتغنى بأقوال من المدائح النبوية والذكر والحضّ على الكرم، وينبّه الناس إلى سحورهم، كما يدور المسحر بعد الإفطار على الدور التي قام بتسحير أهلها، فيعطونه مما كان طعامهم في الإفطار، وكان بين  المسحر وبين أطفال تلك الدور من مودّة وحميمية.

ترويحاً عن الأطفال الذين عانوا من مشقة الصيام، ورغبة من المسحر في الحصول على مايجود به الناس، اعتاد المسحّرون الطواف في مناطقهم بعد الإفطار، ولا يكاد المسحر يشرع بالقرع على طبلته حتى يتراكض وراءه الأطفال، يرافقونه في جولته صاخبين هازجين طالبين أن يردد لهم دعابات تفرحهم وتنسيهم مشقة صيامهم، فيردد لهم على إيقاع طبلته ما يطيب خاطرهم على الضراير والبرغوث والهرة.

المسحراتي

انتظام عمل المسحّر

كان للمسحرين شيخ كار  يساعده نقيب وأعضوات من المسحرين… وذلك للإشراف على شؤون التسحير وللحفاظ على سمعة المسحّرين وحسن أدائهم على أكمل وجه.

وكانت التسحير تنحصر في أُسر دمشقية، توارثت التسحير أباً عن جد، بدلالة أن المسحر كان يصحب معه أحد أبنائه أو أحفاده، يساعده في حمل السلة التي يراكم فيها ما يأتيه من الأطعمة، وهو في نفس الوقت يتعرف إلى سكان الدور التي سيقوم بتسحير أهلها ويتعرفون عليه. وبالتالي يتعرف على أصول وأساليب التعامل مع سكان تلك الدور، فضلاً عن ذلك فإن المسحّر يرى في التسحير أجر وثواب من الله تعالى.

 

المسحراتي

المسحّر في العيد

إذا انتهى شهر رمضان، وأقبل العيد، فإن المسحر يعود إلى التجول على تلك الدور فينال العيدية من أهلها، كلٌ حسب قدره ومقدرته وكرمه. كما أنهم يعطونه من حلويات العيد.

العبارات التي يقولها المسحراتي

وإذا كانت مناهل الصفا في مديح المصطفى (ص) والبردة، النبع الذي صدرت عنه غالبية أقوال المسحرين ومدائحهم، فإنهم طوروا ما أخذوا عنها وبالغوا بها حتى بدت تلك الأقوال والمدائح لاتمت إلى مصدرها إات بصلة وأهمية.

يا سامعين ذكر النبي                           عالمصطفى صلّوا

لولا النبي ما انبنى                               جامع ولا صلّوا

إجت الغزالة للنبي (ص)                       وقالت يانبي ولادي

صار لهم ثلث أيام                               لا ماء ولا زاد

…..

يا نايم وحّد الدايم

يا نايم اذكر الله

يا نايم وحد الله

قوموا لسحوركم

…..

ياما سارت لك محامل يا أشرف العربان

حنين بدرك وتور جبينك يا محمد بان

كفّ النبي الهاشمي نبع الزلال منه

أروى العطاش وجيش المؤمنين منه

…..

فإذا استوحش المسحّر في الليل  وضاقت به الدنيا تداعت في رأسه دعابة تؤنس وحدته، وتجدد جسور التواصل بينه وبين الناس، وتشيع في نفوسهم البسمة والسماحة، وتزيح عنهم التأقق والتذمر:

أوموا لسحوركم

إجا الأط يزوركم

 أوموا ليجي على غفلة

ياخد منكم عؤولكن

كشف المكبة

وأكل الكبة

أوم يابو سليم الكوسا

أوم فيئ جارك

 

اليوم انحسر دور المسحراتي من حياة الناس ليقتصر فقط على بعض الأحياء والسبب دخول التقنيات الحديثة البديلة كالساعات المنبهة لكنه يبقى حاضراَ في الأذهان.

 

 

المراجع:

  • الأحمد، ياسر حامد: رمضان وتقاليده الدمشقية القديمة، مجلة الفيصل، العدد399-400، 2009.
  • عيد، مصطفى، المسحراتي،2017.
  • كيال، منير:صور دمشقية من ذاكرة المكان، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق،2011.
  •  كيال،منير:في الفولكلور الدمشقي، مجلة الحوليات الاثرية، م35، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق،1985.