رحى للمدن القديمة

المجوهرات (الحلي)، كيف كانت قبل وجود المعادن الثمينة؟

للمجوهرات أهمية كبيرة لأنها لاتقتصر قيمتها على الناحية الجمالية والتزينية فقط بل لها دلالات حضارية وثقافية، والمجوهرات (الحلي) كلمة تطلق على الزينة التي يلبسها الناس والشائع منها الأساور والأقراط والعقود والخواتم.

الحلي منذ عصور ماقبل التاريخ

منذ آلاف السنين شعر الإنسان أنه بحاجة إلى الحلي، فإنسان ماقبل التاريخ شكّل من قشور بيض النعام والأصداف وعظام الحيوانات والأحجار أدوات تزينية تحمل في طياتها قدر كبير من الرمزية وعند اكتشاف المعادن أدخلها في صناعة الحلي وتطورت فيما بعد في العصور التاريخية فبدأ الإنسان يبحث عن كل ماهو جميل فالجمال فرض نفسه.

المجوهرات (الحلي)
عقد يعود للألف الثاني ق.م

تطورت صناعة الحلي في سورية خلال العصر البرونزي المبكر وتنوعت أشكال تصنيعه وطرقه وتم اكتشاف الكثير من الحلي المميزة في ماري وإيبلا وقد تمّ ذكر الذهب في نصوص إيبلا وأنه تم الحصول على الذهب بكميات كبيرة مع الكثير من الأحجار الكريمة من مصر وكان يصلها عن طريق أوغاريت وكما حصلت عليه من جبال طوروس ومن جنوبي شبه الجزيرة العربية ومن الهند وإيران وأفغانستان.

وفي العصر البرونزي الوسيط وصلت الكثير من المكتشفات الأثرية التي تُظهر براعة الفنان السوري وإبداعه، ووصول هذه الصناعة إلى درجة كبيرة من الدقة والتنظيم إذ كانت أماكن التصنيع تعمل تحت إشراف القصر مباشرةً وقد ذَكرت نصوص إيبلا وجود كميات كبيرة من القصدير والنحاس في هذه الأماكن التابعة للقصر الملكي وتم الكشف عن غرف تضم كميات كبيرة من حجر اللازورد، وتعكس المنحوتات والأعمال الفنية اهتمام المجتمع السوري القديم بالحلي خلال مختلف العصور ومن أهم هذه المنحوتات تمثال ربة الينبوع الذي عثر عليه في ماري وتظهر فيها وهي ترتدي في عنقها ويديها الحلي.

المجوهرات
تمثال ربة الينبوع

خلال العصر البرونزي المتأخر عُثر على الكثير من مكتشفات الحلي في مدفن تل المشرفة، وهي مصنوعة من المعادن الثمينة ومرصعة بالأحجار الكريمة وهي ذات أشكال مختلفة نباتية وحيوانية وهي على درجة كبيرة من الجمال والإتقان وتُظهر تأثر صانع الحلي بالتقاليد الفنية المصرية.

وفي العصر الحديدي أثبتت المدن السورية تفوقاً كبيراً في صناعة الحلي وهذا ما تشهد عليه قوائم المواد الواردة في حوليات الملوك الآشوريين الذين هاجموا المدن السورية إذ كانت الحلي من أهم الغنائم التي كان الملوك يريدون الحصول عليها وكانت في كثير من الأحيان سبباً لحملاتهم العسكرية وتثبت هذه القوائم أن دمشق كانت رائدة في صناعة الحلي.

المجوهرات (الحلي) في العصور الكلاسيكية

في العصور الكلاسيكية تطورت صناعة المجوهرات (الحلي) بشكل كبير والخواتم كان لها أهمية لأنها كانت تعتبر رمز للخلود والقوة، وإن أراضي الحثيين كانت غنية بالمعادن الثمينة التي يبيعونها للفينيقيين مقابل الحلي المصنوعة، ورغم الغزوات والحروب التي أطفأت مشاعل الحضارة في عدد من المراكز الحضارية القديمة في سورية فإن تقاليد فن الصياغة قد استمرت في سورية تتوارثها الأجيال حتى العصر الهلنستي الذي نعمت فيه سورية بمركز هام في العالم القديم.

فن صياغة الحلي كان يجذب السلوقيين وخاصةً الملوك حتى أن الملك انطيوخوس الرابع كان يتجول في سوق الحلي ويتأمل الإبداع وكانت احتفالات الملك انطيوخس ابيفان في عاصمته انطاكية تتميز بظهور الترف الذي كان يتمثل بكثرة الأواني والتروس والتيجان الذهبية وكثرة استخدام الذهب في التزيين والتجميل.

وعندما ازدهرت تدمر وأصبحت عاصمة سياسية هامة في الشرق ومحطة كبرى للتجارة العالمية تتجه القوافل إليها وتخرج منها فظهر البذخ وانتشر الترف وأصبح هنالك طلباً على الحلي الجميلة  كالأقراط البديعة والأساور المبسطة والخواتم العديدة المرصعة بالأحجار الكريمة ويمكن رؤية هذا من خلال تماثيل التدمريات فيتضح مدى اهتمامهن بالحلي وميلهن للتزين والتجمل.

وفي العصر الروماني اتضح مدى الاهتمام في الحلي وخاصة في حوران لأن الحلي المكتشفة فيها هي من أغنى المجموعات المكتشفة في أية منطقة أخرى من مناطق العالم وبعد انقسام الامبراطورية الرومانية استمر الصائغ السوري بالإبداع والتفنن مستخدماً الأحجار الكريمة في ترصيع الأطواق والأقراط والخواتم والأساور.

تمثال تدمري
تمثال تدمري لإمرأة ترتدي الحلي
تمثال تدمري
تمثال تدمري لإمرأة ترتدي الحلي

 

المجوهرات (الحلي) في العصور الإسلامية

عندما أشرقت شمس الإسلام تورع الرجال المسلمون عن التزين بالذهب فأخذ الصائغ السوري يُبدع بالحلي للنساء ويتفنن في مظهرها الزخرفي وشكلها الأنيق.

كانت المادة المستخدمة لصناعة الحلي في العصر الإسلامي هي الذهب والفضة والنحاس والأحجار الكريمة ولم تأخذ الحلي حيزاً مهماً في الحياة اليومية عند المسلمين، وظل الأمر على هذا الحال حتى قبيل نهاية الدولة الأموية حين سعى خلفاء بني أمية تعزيز حرفية الدولة بعد فتحهم لبلاد كان يحكمها الفرس والروم والفرنج وفتحت خزائن تلك الأمم على مصراعيها أمام جيوش المسلمين فعرفوا أنواعاً مختلفة من الحلي كالقلائد والأقراط والأساور والخواتم وغيرها الكثير.

وعند مجيئ العباسيين إلى الحكم قاموا بإحداث ثورة في مجال الحلي فقد امتلأت خزائن الدولة بالأموال والذهب والفضة والحلي التي كانت تأتي من أماكن مختلفة وكانت الحلي في تلك الفترة بهيئة حيوانات أو طيور أو رسوم آدمية متأثرة بالزخارف الساسانية والبيزنطية والنقوش هي نقوشاً نباتية وأشكالاً هندسية وكتابات خطية وأصبح هنالك اهتماماً كبيراً بالحلي في هذه الفترة و في كل بلد إسلامي أصبح فيها سوقاً للصاغة يتم فيه تصنيع وبيع الحلي.

وفي العصر الفاطمي ازدهرت صناعة الحلي بشكل كبير في سورية، وأهم ماميزها في تلك الفترة هي الترصيع بالأحجار الكريمة وطريقة تصنيع مختلفة عن ماسبق صنعه، وهي الصنع بالتشبيك وتكون بإعداد أسلاك دقيقة من المعدن المراد تصنيعه وتشكل فيها أشكال متعددة وكانت زخارف الحلي الفاطمية مستوحاة من الفن الفارسي والتي ضمت نقوشاً نباتية وهندسية وأشكال طيور وكتابات بالخط الكوفي، وفيما بعد أصبح هنالك مراكزاً جديدة لصناعة المعادن ومن بينها الحلي في دمشق وحلب وذلك بسبب اتقان الصناعات المعدنية عموماً والحلي خصوصاً، وكان ذلك بسبب تشجيع الحكام الأيوبيون وهكذا أصبحت دمشق وحلب مدناً صناعية للمعادن.

وفي العصر المملوكي وبسبب هجوم التتار على عاصمة الخلافة العباسية بغداد وهروب الكثير من الصناع المهرة نحو الشام كان لذلك أثر في تقدم تلك الصناعة ، وفي العصر العثماني تميزت الحلي بدقة المشغولات الذهبية ووفرة زخارفها مع الميل إلى استخدام الأحجار بكثافة كبيرة في الأعمال الزخرفية وكان شكل الهلال من العناصر الذي استعمل بكثرة في الحلي الفضية.

المجوهرات الإسلامية
نموذج من المجوهرات العثمانية

هكذا نجد أن صياغة الحلي في أرجاء العالم الإسلامي اكتسبت شهرة تاريخية ومَضرباَ للأمثال لكل باحث عن الجمال الفني وأصبح الصائغ السوري متفوقاً على غيره وتتهافت على مصنوعاته البلاد المجاورة وهذا يعود بفضل الذوق الفني والاستمرار على الابتكار وإبداعه في التجديد.

 

المصادر والمراجع:

  • السليطي،فاطمة وهيفاء العمري و مياسة يونس ديب، الحلي، موسوعة الآثار في سورية، م5.
  • زهدي، بشير. الحلي الذهبية القديمة وروائعها،الحوليات الأثرية السورية، م 13.
  • سميحة، ديفيل.صناعة الحلي بقسنطينية خلال العهد العثماني،