رحى للمدن القديمة

الفستق الحلبي وحضوره في التراث السوري

تعتبر شجرة الفستق الحلبي من الأشجار القديمة والمتجذرة بأعماق الحضارة السورية، وكانت معروفة زمن مملكة ماري والحضارات الأخرى.

وقد نُسبت هذه الثمرة لمدينة حلب وأصبحت علامة فارقة لها، ويسمى الفستق في بلاد الشام بالفستق الحلبي، حيث تنتشر زراعته بشكل كبير في منطقة حلب وصولاً إلى مورك بمحافظة حماه مروراً بمعظم المناطق كإدلب ومعرة النعمان وخان شيخون والتمانعة وسكيك… وغيرها. كما تنتشر زراعته في آسيا الوسطى وإيران، وآسيا الصغرى.

ذكر الرحالة ابن بطولة سنة (725) هجرية الموافق 1325 ميلادي اشتهار مدينة معرة النعمان بالفستق بقوله:

معرة النعمان مدينة كبيرة حسنة أكثر شجرها التين والفستق، ومنها يُحمل إلى دمشق ومصر

شجرة الفستق الحلبي

تعتبر شجرة الفستق الحلبي من الأشجار المعمّرة، ويبدأ نضج الفستق الحلبي في آب وأيلول ويستمر حتى تشرين.

تتشقق ثمرة الفستق أثناء الأيام الحارة بفعل ضوء القمر، فعند وصول الليالي الصيفية إلى أقصى رطوبتها، وبعد تشبّع الثمرة بالحرارة لتعرضها أثناء النهار للحرّ الشديد، وأثناء احتكاك الرطب البارد لجوف اللب الحار للفستق ومع جاذبية القمر تحدث هذه الانفجارات فتتشقق القشرة الصلبة وتفتح الفستقة فمها ليظهر اللب الذي اكتنز من حرارة الشمس.

فمتى ظهر القمر تأخذ الأشجار بإصدار تلك الأصوات التي تفجر صمت الليل، وقد رصد العلامة خير الدين الأسدي هذه الحالة بقوله:

                                                        القمر ضَحَّككْ يا فستق           شفتو بعيني كركرك

ويظهر على جذع شجرة الفستق الحلبي الصمغ، فيقتلع ويصنع منه (العلك) -المستكة-.

وللفستق الحلبي طعماً لذيذاً، وثمرته أصغر حجماً من مثيلاتها من أنواع الفستق، وذكر الأسدي بأن حكومة شاه إيران السابقة أرسلت بعثة خاصة لتبحث عن السرّ في حُسن طعم الفستق في بلاد الشام، وخلصت إلى النتيجة بأن توفر البيئة الطبيعية المناسبة لشروطها.

وثمرة الفستق مستديرة طولانية، لبّها يتمتع بلون (فستقي) وهو مهيأ للانقسام طولياً إلى نصفين.

يحمي اللب القشرة الأولى الرقيقة الحمراء، وهي تؤكل مع اللب، أما القشرة الثانية فهي محفظة الفستق وتتخشب عند النضج وهي التي تحمي حبة الفستق وتتشقق بالليل، وهي سميكة كالدرع، أما القشرة الثالثة فتغلّف المحفظة العاجية وهي ذات ألياف مليئة بالماء.

حفظ الفستق

أولى عمليات حفظ الفستق هي نزع القشرة الليفية التي تسْودّ في الهواء إذا لم تنزع.

أما العملية الثانية فهي تقشير الفستق ونزع محفظته العاجية اليابسة وذلك بفقشها بسهولة بنتيجة تفتحها الأولي في الليل.

أكل الفستق الحلبي

الفتسق الحلبي

يؤكل الفستق نيئاً أو محمصاً كما يستخدم كحشوة للحلويات (المبرومة-المعمول -البلورية-الشعيبيات). ويُبشر البعض منه ويرش فوق حلاوة الجبن.

وله قيمة غذائية عالية إذ يحتوي على (الفوسفور-الكالسيوم-الحديد-النحاس- وغني بالفيتامين/ ب١ و ب٢/.

تحميص الفستق

١- التحميص بالشمس: ويكون بغمر الفستق بالماء المالح، ثم يوضع على أطباق وينشر تحت أشعة الشمس الحادة، وسرعان ما يتبخر الماء ويتعلق الملح بقشرة الفستق، كما يعطيه طعماً مالحاً، وعند جفافه تماماً يُرفع ويُحفظ في الأواني. كما يحمّص على صاج ويحرك حتى جفافه.

٢- التحميص الآلي: وتتم بالمحامص الآلية، ولا شك بأن عملية التحميص بأشعة الشمس تجعل الفستق ألذ طعماً.

حضور الفستق في التراث الشعبي

ورد العديد من المأثورات الشفاهية من أمثال وغيرها عن الفستق الحلبي، لعل منها:

       أحسن ماتشتري فستق وتطققي جيرانك         روحي اشتري لك توب وحسني هندامك

من المأثورات أيضاً في سورية أن تتناول الحامل الفستق كي يحظى المولود بعينين جميلتين. وأن على المرضعة أن تأكل الفستق الحلبي كي يزداد إدرار الحليب.

نداءات الباعة

ذكر الأسدي عدداً من العبارات التي تنطلق من حناجر الباعة للمناداة على الفستق، لعل منها:

يا لبلوب الحرمان      ياما أودعتك الزمان

كما ينادى عليه في حلب:

هذا الذي فقرو سرّ غناه

ويُقصد بذلك كما يروي الأسدي بأن الفستق لا يُثمر إلا وهو على عطش.

تسميات الفستق

اسم الفستق بالسريانية (فستقا)

والاسم مشتق من اللغة الفارسية، حيث يسمى الفستق (pistak) ويعني ذلك (فم العشوق).

أما في اللغة الإيرانية فيدعى(pista)، وقد حُرّف إلى الفرنسية وأصبح يدعى(pistache).

وفي الإنكليزية يدعى (pistachio).

أنواع الفستق الحلبيلب الفستق الحلبي

هناك العديد من الأنواع منها:

العاشوري: وسمي باسم وظيفة مالك كروم الفستق الذي كان يشكل عشر تحصيل الدولة، وهو من أشهر أنواع الفستق.

والمراوحي- البادوري- العجمي- ناب الجمل- الملاز وردي- لسان العصفور.

وختاماً فإن الفستق الحلبي أحد أهم لمحات التراث الحضاري والذي التصق باسم حلب ولايزال حاضراً في ذاكرتنا المجتمعية.

 

إعداد: أ. أحمد الغريب

المراجع

  • خير الدين الأسدي، موسوعة حلب المقارنة
  • ابن بطوطة، تحفة النظار في عجائب الاسفار
  • الموروث الشفاهي
  • مجلة الباحثون العلمية العدد 70، 2013