رحى للمدن القديمة

العناصر الزخرفية في العمارة الدمشقية

راعت العمارة الدمشقية إلى جانب اهتمامها بالتخطيط الهندسي للبناء الاهتمام ايضاً بزخرفة تلك الأبنية واظهارها في أفضل مظهر،فعندما نتجول في أزقة وحواري دمشق القديمة، نلاحظ بيوت متواضعة خالية من مظاهر البزخ والترف والزخرفة، إذ تبدو من الخارج عبارة عن جدران بسيطة لكنها تخفي خلفها روائع زخرفية وتزيينيه غاية في الجمال والاتقان وخير مثال على هذا قصر العظم.

الزخرفة بواسطة الرسوم الجدارية

من العناصر الزخرفية التي استعانت بها العمارة الدمشقية الرسوم الجدارية حيث أصبحت الرسوم الجدارية رائجة في مطلع القرن التاسع عشر حين بدأت صور بعض المباني والمناظر الطبيعية التي تمثل نهر بردى والغوطة بالظهور في تلك الرسومات، وفي فترة ازدهار الدولة العثمانية، سيطرت على المشاهد مناظر مدينة استنبول والبوسفور.
العمارة الدمشقية
رسم جداري من بيت المجلد في دمشق

الزخرفة النباتية والهندسية في العمارة الدمشقية

إلى جانب الرسوم الجدارية للمناظر الطبيعية، استُخدمت الزخارف النباتية والهندسية الملونة والتجريدية، وهي أسلوب يعتمد على نحت شكل معين في كتلة من الحجر الغشيم ثم ملئه بعجينة مكونة من مسحوق حجارة ذات ألوان مختلفة فينتج عنها أثر في غاية التعقيد للتطعيم والتنزيل في الحجر، ابتكر هذا الفن في عهد المماليك في القرن الرابع عشر، لكن فناني دمشق ارتقوا بهذا الفن إلى أعلى مستويات الجمال والكمال عبر القرون اللاحقة، وظل هذا الأسلوب متبع حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
قصر العظم
زخارف من قصر العظم
كما برع حرفيو دمشق في صنع المنحوتات الحجرية النافرة، حيث بدء هذا الفن منذ العصر الروماني واستمر حتى العصر العثماني، وقد تفوق النحاتون في مجال الأعمال الفنية الحجرية المعمارية في صنع الأشكال الهندسية الدقيقة جداً وخاصةً خلال العصر المملوكي.
وردة رخامية من بيت البارودي
وردة رخامية من بيت البارودي

 

ولم تقتصر الزخرفة على السطوح الحجرية بل شملت أيضاً السطوح الخشبية، فقد اهتم الفنان الدمشقي أيضاً بزخرفة أسقف القاعات الهامة في البيوت والقصور كقاعات الاستقبال، فقد جرت العادة في البيوت الدمشقية على أن تصنع السقوف من عوارض الخشب الحور وتدعم بشرائح خشبية رفيعة وكان يتم تزينها برسوم في غاية الدقة والروعة لدرجة أنها تبدو للناظرين عن بعد وكأنها مطرزات شرقية وليست مجرد ألواح من الخشب، واضفت هذه الزخارف جماليات رائعة.

فن الأرابيسك والدهان الدمشقي (العجمي)

كما استُخدم أيضاً فن الأرابسك وهو تداخل أو تشابك الزخارف النباتية والهندسية والخطية بتوزيع مدروس، ونشاهده مستخدماً في بعض حشوات الأبواب وفي أسقف وجدران القاعات الخشبية ضمن البيوت الدمشقية.
العمارة الدمشقية
بيت نظام في دمشق

 

بالإضافة إلى فن الزخرفة النافرة والتي تسمى بالعجمي، وهو نوع من الزخارف البارزة على الخشب المطلي بمعجون نافر ملون بالألوان المختلفة، مؤلف من خليط عدد من المواد، استخدم هذا الفن لتزين جدران وأسقف القاعات، التي غدت بزخارفها وألوانها الجميلة كقطعة من السجاد، حيث دخل هذا الفن إلى العمارة الدمشقية خلال العصر العثماني وانتشر بديلاً عن التخريم والحفر، والتزمت زخارفه بالنماذج التوريقية النباتية والكتابية والرسوم الطبيعية من ورود وأزهار وفاكهة وما شابه، وكانت تؤطر عادة هذه الزخارف بالآيات القرآنية أو الكتابات الشعرية المذهبة والحكم أو قد تكون هذه الكتابات ضمن الزخرفة نفسها.
أحد أسقف بيت العقاد
أحد أسقف بيت العقاد مزخرف بفن العجمي

عناصرة زحرفية أخرى أستخدمت في العمارة الدمشقية

إضافة إلى ذلك تم استخدام العناصر الزخرفية الشائعة، كـ الصنج المزرر والأبلق الذي يعتمد على تناوب ألوان مداميك الحجارة بين لونين مختلفين، كالأبيض والأسود مثلاً، وذلك لإضفاء الإيقاع الحركي على واجهات القصور والمساجد.
والمقرنصات التي استخدمت في تيجان الأعمدة والقباب وفي الاظفار الحجرية النافرة التي تحمل الأقواس والعقود، وقطع الفسيفساء والقاشاني الذي يتألف من ألواح خزفية ذات اللون الأزرق أو الاخضر، ولم يقتصر استخدام هذه العناصر الزخرفية في عمارة البيوت فقط، بل شملت العمارة بشكل عام، إذ استخدمت أيضاً في القصور والمساجد والحمامات.. إلخ.
إحدى واجهات بيت العقاد في دمشق
إحدى واجهات بيت العقاد في دمشق

 

وفي الختام يمكن القول إن فن الزخرفة في العمارة الدمشقية اثبت تناغم وانسجام بين الفن والعمارة وقدم لنا لوحات فنية رائعة بديعة الصنع والتشكيل يكاد يعجز معماري وفناني العصر الحديث عن إنتاج ما يماثلها، وما هذه الزخارف إلا جزء من الذاكرة البصرية لتراثنا الحضاري.
المراجع
  • دمشق القديمة وكنوزها الدفينة، بريجيت كنان، ترجمة محمد علام خضر.
  • زخارف العمارة الإسلامية في دمشق، قتيبة الشهابي.
  • البيت الدمشقي خلال العهد العثماني، زكريا محمد كبريت.
  • مدينة دمشق، عبد القادر الريحاوي.