رحى للمدن القديمة

ماهي أوجه الشبه في العمارة المملوكية بين القاهرة وحلب؟

ترك لنا العهد المملوكي العديد من التحف المعماري وتعد العمارة المملوكية آية في الجمال العمراني. ومن المؤكد أن فترة المماليك (1260-1516م) هي الفترة الذهبية في تاريخ العمارة الإسلامية في مصر وبلاد الشام. وبلغت العناصر الزخرفية أوجها من حيث الغنى والتنوع والابداع.

اهتم المماليك ببناء المباني الدينية كالجوامع والمدارس والترب والاضرحة، والمباني المدنية كالوكالات والخانات والحمامات والسبلان والبيمارستانات. وحظيت القاهرة باهتمام كبير من قِبل المماليك كونها عاصمة الدولة المملوكية. كما حظيت حلب باهتمام كبير كونها نائبة السلطنة المملوكية.

مدرسة السلطان حسن ومسجد الرفاعي
مدرسة السلطان حسن ومسجد الرفاعي

سمات العمارة المملوكية

تعد الأبنية المملوكية الموجودة في القاهرة هي مثال نموذجي لدراسة سمات العمارة المملوكية. كما نلاحظ انتشار العمائر الضخمة التي يمكن أن نطلق عليها اسم مجمعات وتتميز بمساحتها الكبيرة وتضم غالباً مدرسة وتربة وبيمارستان. وأحياناً سبيل وكتّاب، توجد المجمعات في مدينة القاهرة بشكل خاص ومنها مجموعة السلطان قلاوون ومدرسة وخانقاه السلطان الاشرف برسباي ومدرسة ومسجد السلطان قايتباي. كما ظهرت المنشآت المتعددة الطوابق والتي تتألف ما بين (3-5) طوابق، مثل وكالة الغوري.

وكالة الغوري
وكالة الغوري

يتكون التخطيط العام للعمائر بأنواعها المختلفة من بوابة فخمة يليها دهليز مقبي يؤدي إلى صحن البناء التي تتوزع حوله الاواوين وأقسام البناء الأخرى، لكن حجم الصحن أو الفناء قد صغر عن قبل من أجل زيادة مساحة الاجزاء المسقوفة. وغطي الفناء أحياناً بقبة وأحياناً كانت تزود بفتحة في اعلاها من أجل الانارة والتهوية كما في فناءات أجنحة البيمارستان الارغوني في حلب.

مقارنة سمات العمارة المملوكية بين حلب والقاهرة

نلاحظ أن هناك أوجه شبه واختلاف في العمارة المملوكية بين مدينة القاهرة ومدينة حلب من حيث العناصر المعمارية. ومنها الواجهات فقد نالت مزيداً من الاهتمام من حيث التصميم والزخارف واستخدم نظام الأبلق على نطاق واسع الذي تتناوب فيه ألوان المداميك الحجرية. وضمت عدد وافر من فتحات الشبابيك والنوافذ والأشرطة الكتابية والرنوك والحجارة المعشقة والشرفات المسننة.

وبالنسبة للبوابات كانت تبرز عن الواجهة على غرار العمائر الفاطمية كجامع الأقمر في القاهرة. وكانت البوابات تفتح داخل ايوان يكون بارتفاع الواجهة أو أكثر بقليل. ونلاحظ أن هذه السمات تتجلى في أبينة حلب والقاهرة، مثل، جامع الظاهر بيبرس ومدرسة السلطان حسن في القاهرة. وجامع الأطروش والصروي وآشق تمر (السكاكيني) والسفاحية في حلب. ويوجد على جانبي المدخل ضمن الايوان في معظم العمائر المملوكية مصطبتان حجريتان أطلق عليه المصريون اسم المكسلة. ومكانة هذا الاهتمام بزخارف الواجهات بمثابة استعاضة عن النصب والتماثيل للسلاطين والولاة المماليك.

بوابة مدرسة السلطان حسن في القاهرة
بوابة مدرسة السلطان حسن في القاهرة

 

الأسقف في العمارة المملوكية

استخدم المماليك في التسقيف الاسقف المستوية التي تتكون من الجسور والألواح الخشبية المزخرفة بالرسوم والألوان إلى جانب القباب التي نالت على اهتمام كبير في ذلك العصر. فقد زاد البناؤون من ارتفاعها إذ جعلوا لها رقبة من طبقتين على غرار القباب الايوبية. وغُطيت معظم القباب في القاهرة من داخلها وخارجها بالزخارف كتلك الموجودة في مجموعة السلطان قايتباي وبرقوق. بينما في حلب لم يظهر أي قباب مملوكية تتألف من طبقتين أو مزخرفة. ونرى أن معظم جوامع مدينة القاهرة كجامع السلطان بيبرس، وجوامع مدينة حلب كجامع الصروي والطواشي والرومي قد سُقفت القبلية في القسم الذي يعلو المحراب والمنبر بواسطة قبة. بينما باقي أجزاء القبلية سُقفت بواسطة الاقباء الحجرية الطولانية أو المتقاطعة أو الاسقف الخشبية المستوية. ويعود ذلك للدور الكبير الذي تلعبه القبة بالإضافة لحنية المحراب في عميلة تضخيم الصوت وايصاله لكافة المصليين في القبلية وخاصة في الجوامع ذات المساحة الواسعة.

العمارة المملوكية-مسجد ومدرسة قايتباي
مسجد ومدرسة قايتباي
حمام يلبغا الناصري في حلب
حمام يلبغا الناصري في حلب

المآذن في العمارة المملوكية

أما بالنسبة للمآذن، لم تعد تقتصر على المسقط المربع التقليدي الذي اُستخدم في العمارة الاموية والزنكية، بل تطورت وأصبحت تتألف من عدة أقسام متعاقبة. القسم الأول مسقطه مربع يليه القسم الثاني وهو مضلع يليه القسم الثالث وهو أسطواني الشكل وللمئذنة عدة شرفات، كمئذنة السلطان المؤيد شيخ ومئذنة قايتباي في مصر. وابتكر المماليك مآذن تنتهي برأسين أو أكثر كمئذنة الغوري في الأزهر ومئذنة مدرسة الغوري التي تنتهي بخمسة رؤوس، ولم يظهر هذا النوع من المآذن الا في القاهرة فقط وهي زيادة في البزخ المعماري. بينما مآذن مدينة حلب المملوكية معظمها ذات مسقط مثمن خالية من الزخراف ولها شرفة واحدة. ماعدا مئذنة جامع الأطروش هي المئذنة الوحيدة التي لها شرفتان، ويوجد مئذنة مملوكية واحدة فقط ذات مسقط دائرية وهي مئذنة جامع الرومي.

جامع الأطروش في حلب
جامع الأطروش في حلب

وبالنسبة للمآذن التي تتألف من أكثر من طبقة في مدينة حلب لدينا مئذنة جامع المهمندار (القاضي)، تتألف من طبقة مضلعة ثم طبقة أسطوانية وجذع المئذنة مغطى بالكامل بالعناصر الزخرفية المتنوعة. وتعد من أجمل مآذن حلب المملوكية لانفرادها بطابع عمراني مميز.

العمارة المملوكية-مئذنة جامع المهمندار في حلب
مئذنة جامع المهمندار في حلب
العمارة المملوكية-مئذنة مدرسة الغوري في القاهرة
مئذنة مدرسة الغوري في القاهرة

العمارة المملوكية المدنية

بالنسبة للعمارة المدنية اهتم المماليك ببناء الخانات في كافة المدن التي كانت تحت سيطرتهم. والوكالات التي ظهرت في مصر فقط، مثل وكالة الغوري ووكالة بازرعة في القاهرة. والوكالات كانت تؤدي نفس الوظيفة التجارية التي تقوم بها الخانات لكن الوكالات كانت مخصصة للأشخاص ذوات المكانة العالية. وهذا يدل على النشاط التجاري للقاهرة.

العمارة المملوكية-خان خاير بك في حلب
خان خاير بك في حلب

واستمر المماليك ببناء البيمارستانات في مصر والشام كالبيمارستان المنصوري في القاهرة. والبيمارستان الارغوني في حلب الذي يعد تحفة معمارية لا مثيل لها في العالم. وبتخصصه النفسي والعقلي هو فكر عمراني سابق لعصره.

العمارة المملوكية-البيمارستان الأرغوني في حلب
البيمارستان الأرغوني في حلب

ومازالت الأبنية المعمارية التي شيدها المماليك باقية حتى يومنا تحدثنا بعظمة وإبداع المماليك. وتعد الفترة المملوكية من الفترات المهمة في التاريخ الإسلامي. إذ تميز بتقدم الفنون والعمارة على كافة الأصعدة والتي تنوعت طُرزها العمرانية.