رحى للمدن القديمة

العمارة الدينية في المدن المنسية، كيف كان تخطيط الكنائس الأولى؟

تمتد  المدن المنسية على مساحات شاسعة كأنها متحفاً طبيعياً تحت السماء، و تضم العمارة الدينية في المدن المنسية المعابد والكنائس والأديرة، قُدّر عدد القرى المنسية 800 قرية قديمة، وهي تتوزع في جبال الكتلة الكلسية ووديانها وتفرعاتها في الشمال الغربي من سورية، بنيت في الفترة الواقعة ما بين القرنين الأول والسابع الميلادي ويمتد تاريخ بعضها حتى القرن العاشر الميلادي.

العمارة الدينية في قرى الكتلة الكلسية (المدن المنسية)

المعابد في المدن المنسية

المعابد في هذه المنطقة تعود إلى القرن الثاني الميلادي، وبما أنها منطقة كلسية استخدم الحجر الجيري على نطاق واسع في عمارتها لأنه يعتبر ملائماً للبناء بسبب ليونته مقارنةً مع البازلت، وشيدت المعابد كمعبد الشيخ بركات بجدران مزدوجة وأحجار منتظمة ومداميك متساوية الأبعاد، وتوجد أيضاً معابد ذات جدار واحد في باقرحا ورويحة.

العمارة الدينية في المدن المنسية
معبد زيوس مدباخوس(على قمة جبل شيخ بركات)

عمارة الكنائس في المدن المنسية

بُدئ في بناء الكنائس في الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي وأخذت تلك المباني بالازدهار في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، وكانت ذات مساقط مختلفة، تتميز بغناها بالعناصر الزخرفية وجاءت أبنية الكنائس استمراراً لطراز البناء السوري القديم.

حافظت على التقاليد البنائية السورية القديمة مع موادها وعناصرها ومفرداتها المعمارية،إلى جانب استعمال أبنية البازيليك ككنائس، فالمخطط العام للكنيسة مستطيل متوازي الأضلاع وطوله ضعف عرضه، وكانت الكنائس الأولى ذات جناح وحيد أو ثلاثة أجنحة مفصولة بواسطة أعمدة، فالأوسط هو الأكبر والأعلى ارتفاعاً وينتهي بالمذبح، بينما الأجنحة الجانبية تعلوها الشرفات، واستغلت البازيليك كمكان للصلاة وممارسة الشعائر الدينية ومن أهم الكنائس في المنطقة ومثالاً على هذا النمط المعماري كنيسة قلب لوزة التي تتميز باحتوائها على السمات العامة لعمارة الكنائس في شمالي سورية وبوجود برجين على جانبي المدخل الرئيسي في واجهة الكنيسة، و غطيت سقوفها بجملونات مصنوعة من الخشب أو بألواح حجرية مستوية.

قرى الكتلة الكلسية
مخطط كنيسة قلب لوزة على النظام البازليكي

للشبابيك دوراً كبيراً في هندسة الكنائس وخاصةً من الناحية الوظيفية فلها مهمة واحدة وهي إضاءة الكنيسة بالنور الطبيعي وهذا هو السبب الرئيسي لوجود العدد الكبير من الشبابيك بجهات الكنيسة الأربع ومن الملاحظ أن عددها كان متساوياً على جهتي الكنيسة الشمالية والجنوبية  واعتمادها على أسلوب التناظر ولها أيضاً غايات تصميمية وفنية.

إن الضوء المتسرب من خلال تلك الشبابيك أثناء ساعات النهار يساعد على الشعور بمساحة الكنيسة الداخلية، وتقسم أشكال الشبابيك في الكنائس إلى شبابيك مستطيلة وأيضاً شبابيك مستطيلة تنتهي بنصف دائرة.

إن الأبواب في الجهات الغربية والجنوبية والشمالية لها شكل مستطيل في جميع الكنائس، ويتفرع عنها شكل آخر يحتوي على فتحة نصف دائرية. كما في دار قيتا وباقرحا وغيرهما، وتحتوي على عناصر زخرفية على شكل أشرطة التي تلتف حول المبنى والتيجان.

الأعمدة والركائز لها دور حيوي بسبب شكلها وأنواع تيجانها كالدورية والإيونية والتوسكانية والكورنثية، وهنالك بعض البازيليكات استخدمت أكثر من نظام واحد من التيجان على أعمدتها الداخلية ومثالاً على ذلك كنيسة المشبّك.

العمارة الدينية في المدن المنسية
كنيسة قلب لوزة

ومن العناصر المعمارية الدخيلة على البازيليكي (البيما) وهي منصة تعلو قليلاً عن سوية البهو الأوسط وتبدأ منها الصلوات وخدمات القداس ثم ينتقل الكاهن إلى الهيكل.

العمارة الدينية في المدن المنسية
كنيسة قلب لوزة

أما الكنائس البيزنطية تقوم على مخطط الصليب الإغريقي بقبة مركزية مؤلفة من أقواس متقاطعة وأعمدة، وللمداخل أعتاب أفقية يعلوها عقد نصف دائري، ومثالاً على هذا النمط المعماري كنيسة القديس سمعان.

تتكون الكنيسة من أربعة أجنحة على شكل صليب، وتتميز عن الكنائس الأخرى أنها جمعت ثلاثة أنماط في كنيسة واحدة( مصلبة وبازلكية ومثمنة)، وتنقسم الكنيسة إلى عدة أقسام.

العمارة الدينية في المدن المنسية
مخطط كنيسة سمعان

الأديرة في المدن المنسية

كانت الحياة النسكية في بدايتها فردية ينعزل فيها الراهب أو الناسك عن الناس في كهف أو برج أو صومعة أو على تل أو عمود، وكلٌ منهم اختار طريقة تناسبه، وكان رائد العموديين الناسك سمعان العمودي.

ثم تطورت إلى مرحلة النسك الجماعي حيث ينضم مجموعة تلاميذ من النساك إلى ناسك وقور ومشهور مقتدين بمعيشته، فعمدوا إلى بناء دير مستقل يمارسون فيه حياتهم الجماعية المشتركة وبدأت تظهر منذ القرن الرابع الميلادي وتوسعت في القرنين الخامس والسادس، ويتألف الدير عادةً من:

–  بناء مخصص للنشاطات الداخلية للرهبان.

–  بناء مخصص للاستقبال والشاطات الخارجية.

–  برج للناسك الذي يتألف من طابق أو عدة طوابق كلها ذات مسقط أفقي مربع الشكل إضافة إلى وجود مقبرة جماعية.

وهكذا نجد أن القرى المنسية بعمارتها متألقة دوماً يشع منها عبق التاريخ  فهي منطقة مميزة لأنها من أغنى المناطق التي تزدهر بآثارها.

 

المراجع:

  • عبد الكريم،مأمون.المدن الميتة،الموسوعة العربية، م18.
  • الخوري، موسى ديب.على دروب القرى المنسية.
  • الكسحة،عمر و حماش حماش.قلعة سمعان والمواقع الأثرية المجاورة.
  • عبد الكريم،مأمون. آثار العصور الكلاسيكية في بلاد الشام،منشورات جامعة دمشق.
  • كشيشيان،ألكسندر.البازيليك،الموسوعة العربية،م3.
  • ديركيفوركيان،شاهي. علاقات هندسة العمارة المسيحية المبكرة بين أرمينيا وسوريا،حلب،2002.
  • صابور،بسام،الحضارات الشرقية.