رحى للمدن القديمة

الطب الشعبي مابين الخرافة والتراث

تعود علاقة الإنسان بالطب الشعبي إلى أقدم العصور وهو موروث شعبي ناتج عن عادات وخبرات الجماعات الشعبية في التشخيص، وقد تعددت طرق العلاج واختلط بعضها بالخرافة أو بالمفاهيم والمعتقدات التي تناقلتها الأجيال، وساعدهم في احترافية هذا النوع من العلاج سهولته في الممارسة، خاصة أنّه يمارس من المنازل، حيث أصبح كل شخص على معرفة بتلك الطرق العلاجية طبيباً لأسرته وجيرانه والمحيطين به، حتّى أصبح جزءاً من ثقافة المجتمع خاصة في الأحياء الشعبية، ويتم تداوله بين كبار السن والمناطق الريفية.

 

تعريف العلاج بالطب الشعبي

يُعرف العلاج الشعبي بأنّه الموروث عن السلف في كل خصائصه العلمية والخرافية، فهو يمثل مجموعة من المعتقدات الشعبية والممارسات العلاجية الطبية التي استخدمت منذ أزمنة بعيدة في كل الثقافات لمعالجة الأمراض بواسطة مجموعة من الأشخاص ممن يعتقدون أنّهم يملكون القدرة على معالجة الناس، كما تمتد جذوره منذ بداية الثقافة، وقد استمر في طورهِ إلى جانب الطب الحديث.

توجد علاقة تبادلية بين الطب الرسمي والطب الشعبي البديل، فالكثير من المواد الطبيعية تدخل في إنتاج العقاقير الكيميائية، فضلاً عن انتشار طرق الطب الشعبي كالعلاج بالكي والفصد (الإدماء)، وربما لم يأخذ نفس الانتشار الواسع للحجامة التي تخصصت في إخراج الدم الفاسد بالإضافة إلى سهولة انتشارها من خلال أدواتها التي تباع بالمحلات التجارية والمكتبات، وهناك أيضاً العلاج الروحاني الذي يعالج السحر والحسد والمس.

يعتمد العلاج الشعبي على مجموعة من الممارسات والتصورات المتصلة بصحة الإنسان ومرضه، يؤمن ويعتقد بها اعتقاداً جازماً لاشك فيه، وبالتالي يغلب عليه الطابع التاريخي والرسوخ وسعة الانتشار، وقد أضحى مجال العلاج الشعبي متعدد الجوانب والممارسات وأصبح الاعتقاد يموضوعاته وتخصصاته أمر ضرورياً.

وقف هذا الطب عند حد معين ولم ينل حقه من الاهتمام لأنه اختلط ببعض المعتقدات الخرافية لذلك فقد أهمية بالتدريج.

واذا اردنا دراسة الممارسات الطبية الموجودة في نطاق المجتمعات التقليدية لابد لنا أن ندرسها ضمن إطار الثقافة.

 

مابين الخرافة والتراث:

ارتبطت الجذور الأولى للاهتمام بصحة الإنسان وتفسير الأمراض ومصادر نشأتها بالجوانب الخرافية، وإن ما يصيب الإنسان من مرض يعود في الأصل إلى الأرواح الشريرة وغضب الآلهة لهذا انتشرت الممارسات السحرية، وزيارة الأماكن المقدسة والنداء على آلهتها، ومحاولة كسب رضاها ودفع الأرواح الشريرة المسببة للمرض فوقف الإنسان عاجزاً أمام ظاهرة المرض، أي فقدانه للتوازن مع قوانين الطبيعة بحيث سعى للتوفيق بين نفسه وبين القوى التي تحكم حياته، وذلك لإعادة هذا التوازن المفقود مستغلاً الطبيعة المحيطة به ومنتجها طرق علاج طبيعية ممتدة من البيئة الطبيعية (أعشاب – وعقاقير نباتية وحيوانية) فاستمرار هذا البحث عن العلاج منذ العصور القديمة إلى يومنا هذا بحيث أصبح الطب الشعبي له خاصية تضمن له الاستمرارية والتطور. وأصبح ينافس الطب الرسمي، رغم التحولات والتغيرات الطارئة على المجتمع، إلا أن التصورات الاجتماعية مازالت تتقاسمها القضايا الغيبية والموضوعية، وهذا راجع إلى العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع، دون إغفال أهمية الأوضاع الطبقية التي تلعب دوراً بارزاً في تحديد أساليب مواجهة المرض، وهذا يثبت كذلك سوسيولوجيا ثقافة المجتمع وقد ظلت هذه التقاليد حية حتى الآن في وجدان كافة الشعوب.

الامثال الشعبية وعلاقتها بالعلاج الشعبي

يرتبط المثل الشعبي بقضايا الانجاب والخصوبة ونوع المولود وقيمة الحياة والتربية والحفاظ على الصحة والوقاية وغيرها ومن هنا تتضح الصلة الوثيقة بين الامثال الشعبية وقضايا الصحة والمرض، والخدمة الصحية.

إذا تاملنا نظرة التراث الشعبي للطبيب في بعض المجتمعات، وجدنا أنه يعتبر رجل الحكمة والمعرفة ومن هنا جاءت تسميته بالحكيم فهو متخصص وله خبرة في مجال محدد، ويتفوق على أقرانه المتخصصين في المجالات الأخرى بما اكتسبه من خبرة ومعرفة بالجسم الإنساني.

أما الأمثال الشعبية المتعلقة بالمرض والصحة فهي تعكس المعتقدات التي يعتقد بها أفراد المجتمع، كإرجاع أسباب المرض الى الحسد والجن والعين الشريرة وغيرها، ممايدفعهم الى استشارة المشعوذين والسحرة لغرض العلاج. والغريب في بعض المجتمعات إذا ما استشار المريض الطبيب العلمي وفشل الطبيب في العلاج ومات المرض فتلقى تبعات ذلك على الطبيب، أما اذا استشار المريض  المشعوذ أو الساحر الذي أعاد المرض إلى الحسد وفشل المشعوذ في علاجه ومات المريض فان اللوم يُلقى على الحسد لا المعالج.

كان للأمثال الشعبية أثر ودور في عملية التشخيص للمرض وكذلك الوقاية منه وعلاجها، فنجد أمثال (درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج)، ولكن يبقى تفسير الثقافة للوقاية يأخذ تفسيرات وأشكال مختلفة.

أو (اسأل مجرب ولا تسأل حكيم)، وبذلك يتم التأكيد على الخبرة الشخصية وليس المعرفة العلمية، متناسين الفروق الفردية وأسباب المرض الموضوعية.

 

المفاهيم المرتبطة بالطب الشعبي

يدور الطب الشعبى حول بعض المفاهيم العلاجية مثل:(الممارسات العلاجية الشعبية)، (الطب الشعبى)، (الطب العربي)، (الطب النبوى)، (الطب البديل)، وقد تم الاستعانة ببعض الدراسات الخاصة بهذه المجالات لمعرفة هذه المفاهيم في عدة نقاط أهمها:

1- الممارسات العلاجية الشعبية: هي ممارسات يقوم بها أفراد المجتمع بغرض العلاج، تتضمن أفعالا أو سلوكاً واضحاً بعضه منزلي يتم داخل نطاق الأسرة، والآخر غير منزلى يشمل ممارسات احترافية، وممارسات اعتقادية كزيارة الأولياء للعلاج، أو ممارسات مستحدثة تستند غالباً إلى معلومات علمية بعضها مستعار من ثقافات أخرى كالإبر الصينية، أو تمت استعارتها من جذور تاريخية قديمة، كالعلاج بالموجة الذاتية.

 

                                     زيارة أضرحة الأولياء ( ممارسة شعبية للعلاج)

 

2- الطب البديل والعلاج بالأعشاب والنباتات الطبية: كان للتداوي بالأعشاب تقنيات مخصصة تتعلق في كيفية تحضير الدواء للمعالجة. وبما أن التداوي يتوسّل كل ما ينبت في الطبيعة من أجل تحضير الأدوية النافعة للجسم، حسب العلة التي تعلّه وتفقده اعتداله وتوازنه، وبعد التجارب التي لا حصر لها على امتداد تاريخ العلاقة مع المرض والأعشاب والنباتات التي تجود بها الطبيعة، بالإضافة إلى حيواناتها التي استعملت هي ومنتوجاتها كأدوية للشفاء.

وبالتالي لا يمكن فصل مصطلح أعشاب عن مصطلح الطب فاستخدام الأعشاب الطبية فى علاج بعض الآلام والأمراض التي يعاني منها الإنسان كانت شائعة ولاتزال في الكثير من المناطق وفيها إشارة إلى طائفة واسعة من الممارسات العلاجية أو الدوائية التى لا تنتمي إلى تراث الممارسة الرسمية المتخصصة للطب الغربى التقليدى، وترجع أصول هذه الممارسات والوصفات العلاجية إلى تراث الطب الشعبي أو التقليدي، سواء كان محلياً أم مستورداً، والذى تتخذ ممارسته قدراً من الرسمية تبعاً لتأهيل وكفاءة ممارسيه.

 

الأعشاب والنباتات الطبية
                                                                                    الطب البديل 

 

3- الطب العربي: يُعتبر الطب العربي وأساليب العلاج التي اتبعها العرب فن من فنون الطب المعتمد في الاستطباب على الأدوية والعقاقير النباتية وقد وصل إلى ماهو أدق وأصعب، فقد استعمل في هذا النوع من الطب أدوات من المباضع والمشارط والمخارز المبتكرة التي لا تختلف في وظائفها عما هو موجود في الطب الحديث، للقيام بعمليات جراحية داخلية، لا تختلف إلا في دقّتها وجودتها وكثرتها عن تلك التي ابتكرها الطب الجراحي في العصر الحاضر.

وفي هذا المجال ثمة الكثير من الانجازات الطبّية العربية على الصعيد الرسمي، أفادت العالم أجمع في القرون الوسطى وكان أهمها:

التجبير: عالج العرب منذ الطور البدوي الكسور التي تصيب مواشيهم، باعتبارهم أهل رعي وتنقّل، متدربين على تجبير كسور الحيوانات، وإعادتها إلى طبيعتها. واستعملوا التقنية نفسها في تجبير كسور جسم الانسان، وخصوصاً ما يصيب اليدين والرجلين. وكانت المهمة الأساسية للمجبّر الذي اكتسب خبرته بالممارسة، أن يعيد العظم إلى سابق عهده بلصقه، أو بإعادة العظم إلى مكانه في حال خروجه من مكانه، في ما يسمى بالخلع. والأهم في هذه العملية لصق العظم المكسور وإعادته كما كان بالضبط قبل الكسر، أو الخلع، ومن ثم تثبيته لمنع الحركة عنه، تجنباُ للإنفصال أو الفكاك. وعادة ما يتمّ ذلك بوضع لصقة يتم تحضيرها من الصابون الناعم أو الطحين المخفوق مع زلال البيض، تُشدّ على مكان الكسر، ومن ثم توضع خشبتان من كل جانب وشدهما بما يؤمّن ثبات العظم، ومنع حركته، حتى يلتئم الكسر ويَجبُرالعظم.

إلا أن هذه العملية لا تجري على هذا الشكل إلا بعد القيام بسلسلة من الإجراءات يعرفها المجبّر جيداً، تحضيراً للعملية التي عادة ما تكون مؤلمة، دون وجود الوسائل المخفّفة للألم، وإن انوجد ذلك بعد تقدّم الطب، والدخول في ميدان العمليات الجراحية الداخلية والمعقّدة، ما استوجب إيجاد الأعشاب والمواد المخدّرة للتخفيف من آلام المريض. ولكن هنا، كان على المجبّر أن يحضّر المريض جسدياً ونفسياً لتقبّل العلاج.

 

                                                                          الطب العربي

 

 4- الطب النبوى: الطب النبوى يقصد به ما تطبب به النبى عليه الصلاة والسلام من وسائل العلاج التى كانت سائدة فى الجزيرة العربية والتى أوصى باستخدامها فى علاج الأمراض، وهذه الوصفات العلاجية على نحو ما أثر عنه (صلى الله عليه وسلم) فى كتب السنة النبوية  وهي لا تختلف عن التداوي بالأعشاب أو بالممارسة كالطب العربي ومثال على ذلك (الحجامة) التي اعتبرت ركناً من أركان الاستطباب وسنة من السنن الإسلامية، أو بالأدوية والأغذية مما كان ذائعاً بين أهل القرى والبوادى فى عصره، أو قد يكون علاجاً بالقرآن والأدعية والأذكار، والرقى.

 

الطب النبوي (الحجامة)
                                                                                 الطب النبوي (الحجامة)

مما تقدم نستنتج أنّ الطب التقليدي قد دخل ضمن سجل الثقافة العالمية القديمة، إذ لا تكاد مدينة أو قرية تخلو منه، فهو ظاهرة قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ البشري، كما أنه يمثل حقلا تعمل فيه المرجعيات الدينية، الثقافية وحتى النفسية عملها تماماً كباقي الظواهر الإنسانية والأجتماعية.

 

المراجع:

  1. د. الحاج، محسن: طب الأعشاب تراث وعلم. دار القلم العربي للنشر. 2000م.
  2. الجوهري، محمد: علم الفولكلور، دراسة فى الأنثربولوجيا الثقافية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة. دار المعارف، القاهرة، مصر، 1987م.
  3.  عطيّه، عاطف: الطب الشعبي العربي تقنيات التداوي بالأعشاب وعمليات العلاج، مجلة الثقافة الشعبية، العدد49. المنامة، البحرين، 2020م.