رحى للمدن القديمة

التصوير الشعبي (فن التيناوي)

 

يُعتبر التصوير الشعبي فنٌ فطري يخضع لتقاليد متوارثة عبر الأجيال يقوم بها أناس من عامة الشعب، ويُعرّف على أنّه مجموعة من الخطوط والأشكال والألوان المرسومة بمواد وألوان ميسرة غنية بالرموز والدلالات تختصر تاريخ أمة لما لها من تقاليد وعادات، وهو فنٌ أفرزته الثقافة مع الأيام، يمارسه الناس إبداعاً وتذوقاً.

لم تهتم مدينة دمشق قبل الحرب العالمية الأولى بالفن الشعبي، أمّا الفن التشكيلي فكان محصوراً بتصوير المواضيع النسبية وكانت دمشق كغيرها في الوطن العربي لها رسوماً ذات أصول وتاريخ ومعنى، ازدهر في العصر المملوكي وتأثّر بالعصر العثماني.

 

الرمزية في التصوير الشعبي:

تميّز التصوير الشعبي بوجود الرمز الذي يعّبر عن لغة تشكيلية يستخدمها الفنان للتعبير عن أحاسيسه وانفعالاته، كما أنّه يمثل الوحدة الفنية التي يختارها الرسام من محيطه لكي يزين بها إنتاجه الفني بشرط أن يكون الرمز مُحمّلاً بقيم المجتمع الثقافية والفكرية، فالسيف مثلاً رمز البطولة وهو لا يرسم إلا في يد الأبطال والفرسان لأنّه علامة طبقية مقصورة على النبلاء والفرسان، والأفعى رمز الشر حيث رسم المصور الشعبي هذا الرمز في مواجهة مع الأبطال والأسود والنسور وكان دائماً مهزوماً أمّا الرموز الهندسية المستخدمة كانت تعطي قيمة مقدسة لما لها معنى مشترك عند الناس بالإضافة إلى الرموز اللونية.

منذ أوائل القرن التاسع عشر عرفت سورية مجال التصوير تحت الزجاج وعلى القماش، ومقاهي دمشق كان لها النصيب الأكبر في الارتباط بهذا الفن بشدة. لم يكن هناك مقهى تخلو جدرانه من هذا الفن المحاكي للقصص الشعبية، وخير دليل على الفن التصويري المرمز عائلة التيناوي، هذه العائلة التي تركت بصمة خالدة في ذاكرة الأجيال.تبلور هذا الفن على يد أبو صبحي التيناوي الذي يعد في طليعة الفنانين العرب المحتفى بهم في الغرب.

 

 

الرمزية في التصوير الشعبي
                                                                         الرمزية في التصوير الشعبي

 

 

أبو صبـحي التـينـاوي:

            أبو صبحي التيناوي

 

تبتدي قصة أبو صبحي التيناوي (محمد حرب) وشعبويته بداية من اسمه ومن الإمضاء الذي اعتاد أن يُذيّل به لوحاته التي رسمها على القماش.

ورث الحرفة عن والده وأورثها لابنه يوسف ولابنته كما تعلمتها حفيدته وهكذا تداخلت وتمازجت أعمال الأجيال الثلاثة طيلة هذه المدة التي ضعفت في أواسط القرن العشرين وخف انتشاره.

كان التيناوي رسّام القيم الشعبية وأول من نهض على السير الشعبية المجسدة للقيم النبيلة والمكونة لوجدان الإنسان إيماناً بقيمتها ورمزها.

بداية الأمر كان الرسم على الورق الأسمر لينتقل فيما بعد إلى الرسم على القماش ومنه إلى الرسم على الزجاج لتتجلى براعته في أبهى صورها وهنا مارس لعبة الرسم والتلوين بحرية وشفافية، متأثراً بالقصص الشفوية وقصص الحكواتي الذي كان ركناً مهماً من أركان المقهى الشعبي في الحياة الدمشقية.

كان يرى في رسومه سراً مقدساً لا يجوز البوح به وكان يؤمن بأنّ تقليد رسومه ونسخها أمر متعذر ذلك لان ّالروح التي كان يمنحها في رسوماته لا يمكن منحها كما فعل هو فقد جسد القيم الشعبية الأصيلة والنبيلة بتلقائية في الرسم واللون كما أنّها خرجت عن المألوف.

 

 

 

جسدت رسوماته العديد من الشخصيات القيادية والدينية مثل: أبو زيد الهلالي، الزير سالم، والأمام علي، والزير سالم / الظاهر بيبرس، عنترة وعبلة لما مثلته من أهمية وعبرة للمروءة والشجاعة، فصوره ببشرة داكنة وشوارب طويلة مع رمحه وسيفه.

تركزت شخوصه عموماً على أشكال نباتية أسفل اللوحات ويأتي الفراغ مسطحاً مع ادخال كتابة عفوية لها علاقة بالموضوع المرسوم وكانت الشخصيات في بعض الأحيان تأخذ تكوينات مختلفة كتغير تعابير الوجه كلياً كعبلة وأيضاً حركة الأحصنة كأنّها ترقص، كما دخلت إلى رسوماته مواضيع مختلفة أيضاً مثل الذئب والراعي وسفينة نوح.

 

               لوحة تجسد شخصية الزير سالم
              لوحة تجسد شخصية الإمام علي بن أبي طالب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

امتلك فن التصوير الشعبي السوري على تعدد تجاربه بما يحمله من رمزية عكس الكثير من الإيجابيات، فقد كان بما يستهله من شخصيات وموضوعات ترسيخ واضح للقيم التربوية والمبادئ التي شكلت نهجاً للأقدمين والتي كانت مرتبطة بمصدر تاريخي موغل في القدم، وأهمية أعمال أبو صبحي التيناوي لا تكمن فقط باسترجاع القصص الشعبية وتصويرها على قطع قماش وحسب بل أنّها شكّلت مدرسة فنية خاصة مستقلة وسابقة لمجيء كبار الفنانين المحدثين في أوروبا بقرون.

 

المصادر والمراجع:

  • قصص، هلا:المقهى الشعبي الدمشقي
  •  قانصو ، أكرم: التصوير الشعبي العربي
  • الموسوعة العربية المجلد 6
  • المقالات:صفحة البيان (محمود شاهين).