رحى للمدن القديمة

التصوير الإسلامي، ماهو ؟

للجانب الفني في العصر الإسلامي حضورٌ واضح، فالأعمال الفنية إن كانت معمارية أو زخرفية أو خطية تتسلل إلى أعماق النفس وتخاطب الروح قبل العين، يُعرف فن التصوير الإسلامي بأنه الرسم بالألوان أو تمثيل شيء بواسطة الكتل والأحجام، ويختلف النهج في  التصوير الإسلامي عن التصوير الكلاسيكي.

وكان لموقف الإسلام من التصوير أثرٌ كبير عبر العصور الإسلامية فالمصور التزم في الرسم بعض الأسس والقيم الجمالية منها البُعد عن التجسيم، وعدم تمثيل الطبيعة بشكلها الطبيعي وذلك عن طريق إهمال الظل والنور وقواعد المنظور أو البعد الثالث في رسوم صوره وعدم مراعاة النسب التشريحية في الرسوم الآدمية ورسم الحيوان، بالرغم من أن هذه الخصائص تُعد عيوباً بمقاييس القيم الجمالية في العصر الحديث إلا أنها جعلته يحتل ركناً أساسياً في تاريخ الفنون.

أتقن الفنانون المسلمون الزخارف النباتية، كما برعوا في الزخارف الهندسية حتى استنبطوا الطبق النجمي بأضلاعه المتعددة بصورةٍ لم تسبق فن من الفنون قبل الإسلام، وكان للزخرفة الخطية مكانها المرموق واشتق عدة صور من الخط الكوفي ومن خط النسخ، وكان للمصورين دورٌ كبيرٌ بعد الخطاط فيقومون بتوضيح نصوص المخطوطات بالصور.

مدارس فن التصوير الإسلامي

مرّ فن التصوير الإسلامي بمراحل متعددة، وتُقسم إلى أربع مدارس رئيسية وهي (المدرسة العربية، المدرسة الفارسية، المدرسة المغولية بالهند، المدرسة التركية العثمانية)، ولكل مدرسة طابعها الخاص وكان لها الدور الأساسي في نشأة وتطور الفن الإسلامي:

– مدرسة التصوير العربي الإسلامي

نشأت في القرون الأولى للهجرة، وازدهرت المدرسة العربية أُولى مدارس التصوير الإسلامي في الرسم على المخطوطات الملونة منذ القرن(6هـ/12م)، وانتشرت مراكزها الفنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي ومن أهم المراكز بغداد والموصل ودمشق والقاهرة وقرطبة وغرناطة.
يُعتبر الطابع العربي من أهم مميزات هذه المدرسة والرسوم الآدمية، فصوّر الرسوم الآدمية من دون تفاصيل، وعدم مراعاة نسب الأعضاء بعضها ببعض والالتزام في رسم الثياب واسعة بأكمام مسترخية، ولم يكن للصورة غير بُعدين اثنين هما الطول والعرض، أما العمق فلا وجود له، ومن ميزات هذه المدرسة الجمع بين مشهدين أو أكثر في صورة واحدة، ووجود الطابع الزخرفي المتميز بأشكاله.
فن التصوير الإسلامي
مدرسة التصوير العربي

– مدرسة التصوير  الفارسي الإسلامي

مرّت بثلاثة مراحل، الأولى التصوير في عصر الإيلخانات المغول(1295-1392م)، الثانية التصوير في عصر التيموريين بعهديه الأول (1400-1450م) والثاني (1457-1507م) ، أما الثالثة هي التصوير في العصر الصفوي في مطلع القرن السادس عشر.
نشأت في فارس مدرسة من أعظم مدارس الفن الآسيوي وتتبعت أثر مدارس التصوير الأخرى من حيث إهمالها للظلال وتجاهل أسلوب المدارس الأوربية القائمة بالاعتماد على تجسيم الأشكال، وأكثر منجزات التصوير الفارسي مصورّات إيضاحية زخرفية فأبدع في خلق التكوين الزخرفي الذي يعتمد على اتساق أجزائه وعلى التحكم فيها بحيث تبلغ الانسجام التام، فتصوير المنمنمات الفارسية لها نظام لوني فريد يضم مجموعات لونية لتشكل تكوينات من درجات الألوان لتقدم في النهاية عناقيد لونية ينتقل فيها البصر من لون إلى آخر، فكان يوحي بجو المعارك العنيف بالتوزيع المتناثر للألوان، ويوحي بالعواطف وحُلكة الليل باللونين الأحمر والأزرق، على حين كان يحرك الإحساس بالرعب في عالمه غير الواقعي باحتواء اللوحة على اللونين الأحمر والبرتقالي مع اللونين الأصفر والبنفسجي، وعند الانتهاء من رسم المنمنمة وتلوينها يقوم بتخطيط هوامشها وتجميلها برسم إطار من الزخارف التوريقية أو الحيوانية.
فن التصوير الإسلامي
مدرسة التصوير الفارسي

– مدرسة التصوير المغولي الإسلامي بالهند

انفردت عن غيرها من المدارس الأخرى بميزة اشتراك أكثر من فنان في عمل صورة واحدة .
الهدف أن يعمل كل مصوّر برسم ما يجيده ويتقنه، كرسم العمائر ورسم الأشجار ورسم الأشخاص.
فن التصوير الإسلامي
مدرسة التصوير المغولي

– مدرسة التصوير التركي العثماني الإسلامي

المرحلة الأولى استغرقت القرن السادس عشر كله وهي أغنى مراحله فكان الطابع الخاص للتصوير العثماني بإضافة روح الشاعرية على اللوحات، والمرحلة الثانية التي يطلق عليها اسم عصر الزنبق (1623-1773م) وهو الاسم الذي أطلق على عهد السلطان (أحمد الثالث)، تابعت لرسوم البورتريه تطورها في إطار التقاليد التي رسخت خلال المرحلة السابقة، وتميزت بدقة محاكاتها للشخصيات التي نُقلت عنها مع البساطة التامة في التفاصيل.
يوجد في اللوحات العثمانية كافة عناصر الفن الفارسي في مجال تصوير الطبيعة إلا أن أسلوبها مختلف وابتكر الفنان ألوانه الخاصة المائلة إلى الألوان البسيطة الزاهية غير المركبة، وتتميز الصور العثمانية بصفة عامة بظهور العمائم الكبيرة، ومن المعروف أن السلطان (محمد الفاتح) استدعى إلى اسطنبول المصور الإيطالي (جنتيلي بلّيني) حيث رسم له صورته الشخصية.
فن التصوير الإسلامي
مدرسة التصوير التركي العثماني

التصوير الجداري الإسلامي

وكان للتصوير الجداري الإسلامي دور كبير فاستخدم نوعين في تنفيذها وهما:

النوع الأول التصوير الجصي بالألوان أو مصطلح الفريسكو أو الإفريسك

وهي على درجة كبيرة من الأهمية لفن التصوير الإسلامي في عصوره الأولى.
من أبرزها رسوم قصير عمرة في الأردن التي تمتاز بالتنوع في الموضوعات فهنالك مشهد سماء مزينة بالنجوم والكواكب ، وهي صورة رمزية للسماء وما فيها من أجرام وتعطي دلالة على(تفهم مباشر وعقلاني للظواهر الطبيعية)، وصورة ستة ملوك عليها كتابات عربية وإغريقية.
إن أصول الرسم في قصير عمرة تعطي دليلاً على تأثيرات كلاسيكية في البلاد ولكن الفنان العربي قام بعمليات التحوير والتبسيط التي بدت بصورة خاصة في رسم الهيئات البشرية، مما ينسجم مع مفهوم الفن العربي الذي استمرت ملامحه.

فن التصوير الإسلامي
التصوير الجداري الإسلامي الجصي أو الإفريسك، مشهد سماء مزينة بالنجوم والكواكب في قصير عمرة
فن التصوير الإسلامي
التصوير الجداري الإسلامي الجصي أو الإفريسك، صورة ستة ملوك عليها كتابات عربية وإغريقية في قصير عمرة

النوع الثاني الصور المنفذة بطريقة الفسيفساء

وقسمت إلى قسمين:

– صور فسيفسائية تزين منشآت دينية

وتعتبر هذه الصور من أقدم الصور الإسلامية من هذا النوع في العصر الأموي ومن أهم الأمثلة هي:

قبة الصخرة في القدس: الفسيفساء كانت تغطى البناء كله من الداخل بما في ذلك منطقة رقبة القبة من الداخل والخارج، وإن جدران المثمن الخارجي بقبة الصخرة كانت مكسوّة عند إنشائها بالصور الفسيفسائية من الخارج واستبدلت فيما بعد بالخزف، واستخدمت في صور الفسيفساء زخارف نباتية، ومن أهم الألوان المستخدمة الأخضر والأزرق بدرجات مختلفة والأحمر والفضي والرمادي والبنفسجي والبني والأسود والأبيض إلى جانب استخدام اللون الذهبي للخلفية وأحياناً لإبراز بعض العناصر وإظهارها كرسوم الفاكهة، وإن العديد من هذه الزخارف النباتية رسمت بحيث تصبح أقرب إلى صورة طبيعية منها إلى وحدة زخرفية ومن هنا دخلت هذه الرسوم في باب التصوير، وهي من أقدم الصور الجدارية الفسيفسائية الباقية حتى الآن.

قبة الصخرة في القدس
التصوير الجداري بطريقة الفسيفساء، قبة الصخرة في القدس المغطاة بالفسيفساء
الجامع الأموي في دمشق: الصور الفسيفسائية في الجامع الأموي هي صور طبيعية تمثل المياه والنباتات والعمائر وتخلو من رسوم الكائنات الحية، تتألف الرسوم التصويرية من موضوعات مختلفة ذات تكوينات فنية ومبهرة بأشجارها ورسوم القرى والمنازل ورسم نهر بردى، وأيضاً توجد زخارف نباتية ورسوم أشجار مشابهة لزخارف فسيفساء قبة الصخرة، ومن أهم الألوان المستخدمة اللون الأزرق بتدرجاته للتعبير عن المياه والسماء، واللون الأخضر للتعبير عن الزخارف النباتية وقمم الأشجار في حين رُسمت الثمار والأزهار باللون الأصفر أو الوردي واستخدام اللون الذهبي والفضي والبنفسجي.
الجامع الأموي في دمشق
التصوير الجداري بطريقة الفسيفساء في الجامع الأموي في دمشق

– صور فسيفسائية تزين منشآت مدنية:

تنوعت الصور الجدارية المنفذة بطريقة الفسيفساء لتزين جدران القصور والحمامات من العصرين الأموي والعباسي وما بعد ذلك من عصور إسلامية، كقصر خربة المفجر والحمام الملحق به الذي يحتوي على صورة ذات أهمية خاصة تُزين الحنية في غرفة الاستقبال وهي مؤلفة من شجرة تفاح أو السفرجل تنبثق حولها بعض النباتات المورقة وإلى يسار الشجرة غزالان هادئان يقومون بِقضم بعض أوراق هذه النباتات، وإلى اليمين أسد شرس ينقض على غزال يفترسه.
إن مشاهد الحيوانات الوديعة التي تهاجمها الحيوانات المتوحشة مشاهد مألوفة في الزخارف الفسيفسائية الرومانية والبيزنطية، إلّا أن هذا المشهد هو أحد مشاهد الشرق القديم، إذ يعود مشهد الأسد الذي يفترس حيواناً أضعف منه إلى آلاف السنين، ويرمز إلى قوة الملك وسلطانه.
قصر خربة المفجر
صور فسيفسائية تزين منشآت مدنية، الصورة موجودة في قصر خربة المفجر في أريحا
وهكذا نجد أن الفنان المسلم كان له منهجه الخاص الذي عبر عنه بألوانه، ما في الطبيعة من حقائق جذابة وما في القلوب من خيال لتصل إلينا اليوم.
المراجع: 
  •  محمد العاني، سلسل. أصالة فن التصوير الإسلامي.
  • ابراهيم، همسة عدنان، للإسلام فنا.
  •  فرغلى،أبو الحمد محمود. التصوير الإسلامي نشأته وموقف الإسلام منه وأصوله ومدارسه.
  • بهنسي، عفيف.الشام لمحات آثارية وفنية، 1980.
  • عكاشة، ثروت. موسوعة التصوير الإسلامي، ط1، 2001.
  • محرز،جمال محمد،التصوير الإسلامي ومدارسه،1962م.
  • ياغي، غزوان. التصوير الإسلامي،موسوعة الآثار في سورية، م4، 2018.