رحى للمدن القديمة

التحصينات الدفاعية في ممالك الشرق القديم

العمارة مرآة التاريخ فمنها تظهر حضارة الإنسان وتطوره، وتميزت بلاد الشام عامةً وسورية خاصةً بالأعداد الكبيرة من التحصينات الدفاعية الموزعة في شتى أنحاء الإقليم ويعود السبب في ذلك إلى موقع سورية الاستراتيجي في مفترق الطرق بين قارات العالم الثلاثة القديمة مما جعلها صلة وصل وممر حضاري ضروري بين أقوام وشعوب المناطق المجاورة لها التي حاولت إنشاء امبراطوريات ودويلات كبرى مما أدى إلى نشوء صراعات إثر ذلك للسيطرة على المنطقة.

ممالك الشرق القديم

تميزت ممالك الشرق القديم في سورية بتحصيناتها وهي مجموعة التشكيلات المعمارية، وتطورت مع تطور الحضارات عبر التاريخ فبدأت بالسواتر الترابية حول المدن وانتقلت إلى بناء الأسوار من اللبن ثم من الحجارة ومن سور واحد إلى عدة أسوار، وأضيفت إليها منشآت معمارية أخرى لها الوظيفة ذاتها كالأبراج والحصون والبوابات. ومن الممالك القديمة المُحصّنة:

تحصينات إبلا (تل مرديخ) الدفاعية

تأخذ مدينة إبلا شكل شبه منحرف غير منتظم وذلك بسبب السور الضخم الذي أحيط بها في بداية الألف الثاني قبل الميلاد، وصُمم على النمط المعروف بالسور السفح فهو جدار عريض عند قاعدته ويضيق كلما اتجه نحو قمته. وأقيمت بعض المنشآت الدفاعية فوقه كالمستودعات الحربية، أما على السفوح الخارجية فشيدت الأبراج الدفاعية. وللسور أربع بوابات رئيسية حَملت كلّ منها اسم إله من آلهة المدينة وتوزعت بشكل متناظر في الجهات الشمالية الشرقية، والجنوبية الشرقية، والشمالية الغربية، والجنوبية الغربية، ومن المُرجح أن البوابة الجنوبية الغربية كانت هي البوابة الرئيسية لأنها مبنية بتقنية عالية مع مراعاة دقيقة للناحية الجمالية.

 التحصينات الدفاعية تل مرديخ
إبلا
التحصينات الدفاعية تل مرديخ
إبلا

تحصينات ماري (تل حريري) الدفاعية

بُنيت في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد وفق مخطط منتظم. حُصّنت المدينة بسور دفاعي قوي وفق الشكل الهندسي الدائري، وتتألف التحصينات الخارجية لماري من سور مبني من اللبن على قاعدة من الحجر وتتخلله فتحات فُسّر وجودها بأنها تسمح للجند بإطلاق السهام من داخل السور على الأعداء خارجاً، أما السور الداخلي فهو يبعد عن التحصينات الخارجية بمسافة 300م، وكان مزوداً بأبراج دفاعية وبوابات للدخول إلى المدينة. وزودت المدينة بنظام خاص من الطرق والشوارع وهو نظام شعاعي.

التحصينات الدفاعية تل حريري
ماري
التحصينات الدفاعية تل حريري
ماري

تحصينات قَطْنا (تل المشرفة) الدفاعية

كان شكل المدينة دائرياً خلال الألف الثالث قبل الميلاد، ثم بدأ تطور المرحلة العمرانية في الألف الثاني قبل الميلاد حيث اتسعت مساحتها وتغير شكلها من الدائري إلى الشكل المربع فأسوارها الترابية الأربعة كانت تحمي المدينة لأن لها وظيفة دفاعية بالدرجة الأولى. وللمدينة أربع بوابات رئيسية مجهزة بأبراج دفاعية وحراس كونها تشكل الثقل الأساسي لتأمين الأمن للمدينة.

تل المشرفة
قطنا
تل المشرفة
قطنا

تحصينات أوجاريت (رأس شمرا) الدفاعية

دخلت مدينة أوجاريت في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد في عصرها الذهبي وشُيدت أبنيتها بالحجر المنحوت، وأحيطت بسور دفاعي ضخم كُشِف عن جزء هام منه في شمال وغرب المدينة، وهو من النوع المسمى بالسور المنحدر ذي القاعدة العريضة تدعمه الأبراج القوية وتخترقه البوابات. والبوابة المكتشفة في غرب المدينة لها مدخلان واحد للمشاة وآخر للعربات.

بوابة أوجاريت
بوابة أوغاريت
أوجاريت
أوغاريت

تحصينات نابادا (تل بيدر)

بُني سور المدينة في الألف الثالث قبل الميلاد على مصطبة مرتفعة من اللبن وربما كان وجهها الخارجي محمياً بطبقة مزججة وضَمّت بداخلها تجمعاً سكنياً دائرياً، وكان يخترق السور أربع بوابات، وتضم سوراً داخلياً لحماية قلب التجمع السكني.

تل بيدر
نابادا

وهكذا نجد أن لكل مملكة نمط تحصيني قائم على شكل معين يعتمد على الطبيعة الجغرافية للمنطقة من تضاريس ومواد بناء، بالإضافة إلى تشكيلات معمارية شُيدت لتدعم هذا التحصين.

 

المراجع:

  • مامو، عدنان رشيد و أحمد رحيم هبو.آثار بلاد الشام القديمة.
  • القيم، علي.امبراطورية إبلا،دمشق،1989م.
  • دياب،أحمد وعلا التونسي وجمال تموم،آثار بلاد الشام القديمة،منشورات جامعة دمشق، 2014-2015م.
  • جاموس، بسام. مملكة قطنا تتحدث عن المجد.
  • عبد الرحمن،عمار.مملكة ألالاخ دراسة اقتصادية اجتماعية.
  • مرعي، عيد. آثار الوطن العربي القديم، منشورات جامعة دمشق، 2009-2010م.
  • حاج يوسف، خلود أحمد. أنماط التحصينات الدفاعية للقلاع الإسلامية في سورية.
  • الحجي، سعيد.التحصينات في العصور التاريخية، الموسوعة العربية، م4.