رحى للمدن القديمة

البيمارستان النوري مؤسسةٌ صحيةٌ وشاهدٌ علميٌ

حفلت حلب القديمة بتنوع مبانيها التراثية التي لائم طرازها المعماري الوظيفة التي بنيت من أجلها ومنها مبانٍ دُعيت بالبيمارستانات، وهي دارٌ لعلاج المرضى ومدارسٌ لتعليم الطب بتعدد تخصصاته. نذكر منها البيمارستان النوري.

كلمة بيمارستان ليست بعربية فهي فارسية الأصل واُختزلت إلى كلمة مارستان، فمن أقدم البيمارستانات بيمارستان جنديسابور في جنوب فارس العائد إلى عام 271م، ثم انتشرت من بغداد شرقاً حتى الأندلس غرباً ولم تكن سوريا بمنأى عن هذا التطور العلمي.

وكان الاثبات على ذلك بالنسبة لحلب وجود البيمارستان النوري العائد إلى القرن الثاني عشر ميلادي الذي بُني من قِبل نور الدين محمود بن زنكي.

تذكر المصادر التاريخية بأن الطبيب ابن بطلان القادم من بغداد إلى حلب عام 1094م قد وَجد فيها بيمارستاناً صغيراً فعليه قد يوجد بيمارستانٌ سابقٌ للنوري لكن لم يظهر ما يدل على ذلك فربما اندثر. وذَكر العالم القلقشندي عن حلب بأن فيها بيمارستان يُعرف بالعتيق وآخر بالجديد، فلعلّ العتيق منهما الذي أنشأه نور الدين زنكي والجديد الذي أنشأه الأمير أرغون الكاملي.

اختار نور الدين زنكي موقع بناء البيمارستان في مكانٍ ملائم توافرت فيه شروط الصحة، فكان داخل باب أنطاكية بالقرب من سوق الهواء في حي الجلوم الكبرى في زُقاقٍ عُرف بزقاق البهرامية.

مدخل البيمارستان النوري في زقاق البهرامية في حلب القديمة
مدخل البيمارستان
مدخل البيمارستان النوري
باب البيمارستان

توصيف تاريخي ومعماري للبيمارستان النوري

مدخله منخفض ضمن إيوانٍ ينزل إليه بدرجات، ذو بابٍ خشبي بدرفتين مزخرفتين وسقاطتين. يحيط بالباب إطارٌ حجري مزخرف بخطوطٍ منكسرة ومنحنية ويظهر من وراءه قوسٌ موتور يعلو النجفة الحجرية. نُقشَ على جدران المدخل نص تأريخي يذكر بأنّ من أمر بعمله الملك العادل أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين بتولي عتبة بن أسعد بن الموصلي.

جُدد البيمارستان وأضيفت له أقساماً في العصور اللاحقة، فعلى الجدار الخارجي للمدخل نافذة تطل على الفناء يتناوب على جانبيها الحجر الأصفر والأسود يؤرخ النص الكتابي بأنه قد أُحدث على يد الحاج محمد المارستاني سنة 840 هـ الموافق 1437م ويعلوه قوس مدبب. يجاورها إطارٌ قد يكون عائداً للبيمارستان والملفت بأنه خالٍ من أي كتابة.

يلي المدخل فناءٌ مكشوف تحيط به الأواوين ويضم أحواض ماء أحدها مثمن الأضلاع. زُيّن الإيوان الجنوبي بشريطين زخرفيين في منتصفه لوحة كتابية تعود إلى القرن الرابع عشر ميلادي تدل على أنه عُمّر أيام السلطان الملك الأشرف شعبان.

الإيوان الجنوبي في البيمارستان النوري
الإيوان الجنوبي قديماً
الإيوان الجنوبي في البيمارستان النوري
النص الكتابي في الإيوان الجنوبي

الايوان الغربي غير مسقوف يضمّ غرفاً صغيرة، وفي الجهة الشمالية قسمٌ خاص بالأمراض المعوية يتكون من سبع حجرات لكلٍّ منها دورة مياه خاصة وهذا دليل التخطيط الهندسي المناسب للحالة المرضية، سُقِف بقبة لم تعد موجودة من قِبل القاضي شهاب الدين بن الزهري ويوجد درج خاص يصعد به إلى الطوابق العلوية. وعلى غرار البيمارستانات خُصص قسم للنساء في زمن دولة السلطان صلاح الدين يوسف الثاني سنة 655 هــ الموافق 1258م.

القسم الشمالي
القسم الشمالي في البيمارستان
الإيوان الغربي للبيمارستان النوري
الإيوان الغربي قديماً

أُوقِفَ للبيمارستان مزارع ومحال تجارية في سوق الهواء في جزء سوق خان الجمرك. تعرض مع الزمن للهجر والإهمال وتكومت حجارته إلى أن أجريت فيه ترميمات أولية أعادت له بعضاً من أهميته الفنية والتاريخية التي لا تقل أهمية عن البيمارستان الأرغوني الأكثر تطوراً والأحدث عهداً.

 

المراجع

  • محمد أسعد طلس، الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب.
  • عبد الله حجار، معالم حلب الأثرية.
  • نجوى عثمان، الآثار والأوابد التاريخية في حلب وكلس وغازي عنتاب.
  • أحمد عيسى، تاريخ البيمارستانات في الإسلام.