رحى للمدن القديمة

آرامية معلولا اللغةُ المقدسة… خصائصها اللغويّة وأهمية الحفاظ عليها

اللغةُ الآراميةُ القديمةُ هي لغةُ الممالكِ الآراميةِ في سوريةَ منذ الألفِ الأول قبل الميلاد، فكانت لغةً دولية وأصبحت لغةَ الكتبِ المقدَّسة والأدبِ والعلم. وإلى اليوم لا تزالُ إحدى اللهَجاتِ الآراميةِ حيّةً على ألسنةِ ورثَتِها من أجدادٍ قطنوا في أراضي دمشقَ، ومنهم أهالي معلولا تلك المدينةِ العامرةِ بمعالمِها الأثريَّةِ من كنائسَ وأديرةٍ وأضرحةٍ. فآرامية معلولا لغةٌ مقدَّسة تصدحُ من قِمم جبالها، ففي الكنائسِ تقام الصلوات بها ومن المنازلِ يتغنَّى السكانُ بلهجتها.

لهجات اللغة الآرامية

اللغةُ الآراميةُ هي لغةٌ من لغاتِ بلاد الشام إحدى اللغاتِ الشرقيَّة القديمة، تطورت نتيجةً لانتشارها جُغرافياً وزمانياً. فتمّ تمييزُ مجموعتين لغويتين فيها، الآراميَّةُ الغربيةُ والآراميّةُ الشرقيَّةُ.

ضمّت الآرامية الغربية: النبَطيَّة والتدمريَّة بالإضافة إلى الآرامية اليهودية الفلسطينيَّة وهي لغةُ كتاباتِ يهوديّ فلسطين في القرون الأولى الميلاديَّة، وهي ترجمةٌ آرامية لكتابِ العهد القديم من أهمِّها التلمود الأورشليمي.

والآراميةُ المسيحيةُ الفلسطينيةُ وهي لغةُ كتاباتِ مسيحيّ فلسطين، منها ترجمةٌ للكتاب المقدَّس وهو العهدُ الجديدُ، وآراميةُ السامرة وهي لغةُ الترجوم السامريِّ، وهو ترجمةٌ آراميةٌ للأسفار الخمسةِ الأولى من العهدِ القديمِ.

وإلى يومنا هذا لا تزال هنالك لهجةٌ معاصرة للآرامية الغربية، وهي لهجة قرى معلولا وبخعة وجب عدّين القريبة من دمشق وهي متأثرة باللُّغة العربية إلى حد كبير.

أما بالنسبة للآراميةِ الشَّرقيةِ: فتشمل الآراميةَ السريانيةَ وآراميةَ الحَضْر بالإضافة إلى الآراميَّة اليهوديَّة البابلية والمَندعيَّة.

لقد استوطنَ السريانُ في شمالِ سورية وكانت مدينة الرُّها (أورفا) مركزُهم، وصارت الآراميةُ لغةَ الكنيسةِ لجميع الآراميين الشرقيين الذين اعتنقوا المسيحية، وانتشرت اللغةُ السريانية في البلاد التي اعتنق سكانها الدَيانة المسيحية، ووصلت إلى الهند والصين.

خريطة سورية
كتاب لتعليم اللغة الآرامية
العهد الجديد واللغة الآرامية
العهد الجديد بلغة آرامية معلولا

آرامية معلولا

تعتبرُ اللَّهجةُ الآراميّة المَحكّية في قرى معلولا وبخعة وجبعدين ما تبقَّى من الآراميّةِ التقليديّة التي كانت لغةَ سُكّان دمشقَ وما حولها حيث دُعِيت دمشقُ بالآرامية المحكيَّة DEMSEK. فحافظ السكانُ عليها حتى اليوم، وهم يتكلمونها إلى جانبِ اللغة العربية بكلِّ طلاقة.

تقعُ معلولا في شمالِ غربِ دمشقَ، ويعني اسمها المكانُ المرتفعُ ذو الهواءِ العليلِ وذلك حسَب اللغة الآرامية التي ما زال سكانُ معلولا يتحدثون بها.

خضعت آراميّة معلولا إلى تأثيرات لُغويَّةٍ قويّة ولا سيّما تأثيراتُ اللُّغةِ العربيّة التي حلّت محلَّ الآراميّة في معظم أنحاء سورية والعراق.

لهذا لا يزال أهالي هذه البلاد ينطقون بالعربية العامية كلمات آرامية مثل: هدول هنّي، وينْ، إينو منّون، وينكونْ، وعَمْ التي تستعمل دوماً مع المضارع فيُقال: عم يلعبوا، عم ياكلوا. وكثيرة هي الكلمات التي لا يزال الأهالي يلفظونها كما تُلفظ بالآرامية تماماً. لذلك نرى أنّ أكثر الكلام متشابه في اللغتين، ويُستدل من هذا أنّ الآراميين والعرب استنبطوا لغتيهما من مصدر واحد، هو اللغة الأم لكل اللغات الشرقية القديمة.

يذكرُ المؤرخُ حبيبُ الزّيات بأنَّ اللغةَ المعلولية (لغةَ معلولا) هي لهجةٌ من اللَّهَجات السريانية تتمازج مع ألفاظٍ عربية تداخلت فيها على إثر اختلاط أهلها بالقادمين إليها وتعاملهم مع سكان القرى المجاورة.

واختلف العلماءُ في تحديدِ أصلِ هذه اللغةِ فذهب المطرانُ يوسفُ داود إلى أنها متوسطة بين اللغة الشرقية وبين اللغةِ الغربية.

معلولا عام 1999
معلولا عام 1999م تصوير N. J. Conard
آرامية معلولا
كتاب عن اللغة الآرامية في معلولا

خصائص آرامية معلولا

إنّ الآرامية المحكية في معلولا هي سماعية، فلا قواعدَ لها ولا صرفَ ولا نحو. لكن من الممكن استنباطُ قَواعد وضوابطٍ لها، فكلامها هو قواعدها ولَفْظها هو حركاتُها وأوزانها.

تُكتب الكلمة في الآراميةِ من اليمينِ إلى الشمالِ مفصولةً حرفاً حرفاً بالتَّتالي. وتكتب كما تُلفظ، ولا تخضع لأيةِ قاعدةٍ. فلا حركاتَ ولا نقاطَ لها، فحروفُها ساكنةً فلا رفعَ ولا نصْبَ ولا جرَّ. لذا يَصعُبُ التَّكلُّمُ بها كما تصعب كتابتُها، ما لم يُسمَعُ النُّطقُ بها. ويَأخذ الحرفُ فيها ألفاظاً متعددة.

تبدأ بعضُ الأسماءِ والأفعالِ في الآراميَّةِ المحكية بحرفٍ ساكن خِلافاً للعربية، ويُقسمُ الاسم فيها إلى مذكرٍ ومؤنثٍ، وإلى مفردٍ وجمعٍ كما هو معروفٌ في كافة اللغات، لكنّ الاسمَ في الآرامية لا يُثنّى والمثنى فيها يُعامل معاملةَ الجمع. وإذا أُريد الكلامُ عن اثنين تُسبقُ الكلمة بالعدد إثرْ للمذكر والعدد ثرشْ للمؤنث. فيُقال: إثرْ غبْرونْ (رجلان)، وثرش حرمنْ (امرأتان). وترجمتهما حرفياً اثنان رجال واثنتان حريم.

لا يُؤنَّث الاسمُ المذكَّرُ في الآراميةِ المحكيةِ بإضافة تاءٍ في آخره مثلَ العربيَّةِ، فالمذكرُ والمؤنَّثُ كلاهما منتهيان بألف، وهناك أسماءٌ مذكرةٌ لا مؤنثَ لها، كما أنَّ هناك أسماءٌ مؤنثةٌ لا مذكّرَ لها. وبعضُ الأسماء المذكرةِ في الآرامية تُجمعُ جمعَ المؤنثِ وبعضُ الأسماء المؤنثة تجمع جمعَ المذكرِ.

لا يوجد أوزان للأفعال في الآرامية، وكثيرة هي الأفعال الشاذة التي تأتي بنفس اللفظ وبمعاني مختلفة.

جورج زعرور
جورج زعرور من مدينة معلولا مختص في اللغة الآرامية

الحفاظ على آرامية معلولا

يتطلبُ الحفاظُ على لغةِ معلولا تعلُّمَها وتداولها وتدوينها، ولتحقيق ذلك يتطلب معرفة بالآراميّة القديمة ووريثتها اللغة السريانيّة.

إنّ التوافق بين الآراميّة المحكيّة والسريانيّة كبيرٌ جداً وهو أكبرُ من التوافق بين الآراميّةِ المحكيّةِ والآراميّةِ القديمةِ وإن كان الاختلاف بين أعضاء الأسرة الآراميّة لا يتعدى الإطار اللهجويّ.

يمكن تدريس اللغةِ الآراميّة المحكيَّةِ. فيُبتَدأُ أولاً بحفظ الأبجديةِ والأرقام وكتابتها، ثُمَّ قراءةِ الكلماتِ السهلةِ ثم تُتابع الدراسةُ بالقراءة والكتابة العامّيتين، بعد حفظ الأبجدية.

لقد اهتمَّ الباحثان الألمانيان Reich (s)، والدكتور Werner Arnold بالبحث في آرامية معلولا وبخعة وجبعدين، بالإضافة إلى القرى الآرامية المحاذية للبنان.

حيث أوفد المعهدُ الفرنسيُّ بدمشقَ سنة 1936م الأستاذ رايش فمكث في معلولا ستة أشهر متواصلةٍ حتى تعلَّم لغتَها، ودرس شؤونها المختلفةَ، وخرج بمؤلَّفٍ جمع فيه كل ما يتعلق بجغرافية معلولا، ولغةِ أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم في الأفراح والأتراح.

وذكر الأستاذ رايش: “إن اللغةَ آخذةٌ بالتراجع أمامَ العربية لأسبابٍ كثيرةٍ، منها أن المدارسَ لا تعلّم غيرَ العربيَّة، والكنائسَ لا تُقيم طقوسَها إلا بالعربية أيضاً، إضافةً إلى فقدان الكثيرِ من كتبها ومخطوطاتها القديمة”. حيث يُقال بأنّ دير مار لاونديوس ومكتبة معلولا احتوت على العديد من المخطوطات النَّفيسة في العربيَّة والسريانيَّةِ لم يبق منها إلا القليلُ وبعضها قديمٌ جداً.

على الرَّغم من قرب المسافة بين صيدنايا ومعلولا، فقد انقرضت اللغة كُلّياً في صيدنايا، في حين أنها لا تزال متداولةً في معلولا.

فانطلاقاً من أهمية صون اللغة الآرامية، أُنشئ معهد لتعليم اللغة الآرامية في معلولا في عام 2007م، وهو معهدٌ تابع لجامعة دمشق. تُقدم الدروس فيه على أساس فترات تمتد لشهرين وذلك بمعدل خمسة أيام في الأسبوع.

معهد اللغة الآرامية
معهد اللغة الآرامية في معلولا

 

إنَّ للغةِ معلولا قيمةٌ دينيَّةٌ وروحيَّةٌ وتاريخيَّةٌ يجبُ الحفاظُ عليها، فهي إحدى الوسائل لنقل التراث الثقافي غير المادي. فنبدأ من توثيقها بجمع مخطوطاتها ووثائقها ومفرداتها من أفواه الناطقين بها، ونسعى لأن نعيد إحياءها وذلك من خلال تعليمها في المدارس والجامعات ليتم إصدار مؤلفات بها وبالتالي ضمان تداولها والتدوين بها.

 

المراجع

  • فرنسيس، حنا: الآرامية المحكية في معلولا. الأبجدية للنشر، دمشق، 1992م.
  • إسماعيل، فاروق: اللغة الآرامية القديمة. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب، حلب 2001م.
  • إسماعيل، فاروق؛ الأيوبي، تمام: كتابات أبجدية قديمة. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب، حلب 2013م.
  • أبو سلو، خالد؛ هلال، لينا: مشهدية المدينة مفهوم وتطبيق بلدة معلولا ريف دمشق. قسم التخطيط والبيئة، كلية الهندسة المعمارية، جامعة دمشق. د.ت.
  • حنّا، يعقوب: قطوف من آراميّة معلولا. دار المعارف، حمص 2007م.
  • الزّيات، حبيب: خزائن الكتب في دمشق وضواحيها. مطابع ألف باء الأديب، دمشق. د.ت.
  • فتوح، عيسى. اللغة السريانية في معلولا وصيدنايا. مجلة العاديَّات، السنة السادسة، عدد2، سورية، حلب، إصدار جمعية العاديات، سورية، حلب 2009م.
  • التقييم الوطني لحالة حفظ التراث الثقافي غير المادي في الجمهورية العربية السورية. مشروع مدليهر، وثيقة أعدت تحت مسؤولية وزارة الثقافة في سورية.