رحى للمدن القديمة

أفاميا عظمة التراث الإنساني السوري

تعتبر مملكة أفاميا إحدى صفحات المجد الحضاري لسورية، وحينما تزورها تشعر بأن التاريخ قد توقف هنا، ليُحدثك بقصائد العزة والفخار.

تقع شمال غربي مدينة حماة وعلى بعد /51/كم منها.

ترقد أطلال هذه المملكة العظيمة في سهل الغاب، ويجاورها من الغرب نهر العاصي على بعد ثلاثة كيلومترات، وكان لموقعها الاستراتيجي أهمية كبرى لا سيّما سيطرتها على الطريق الواصل بين حماة وقنسرين (حلب)، لذلك لا عجب في أن يختار السلوقيون هذا الموقع لجمع القوى العسكرية كما كان لموقع أفاميا عبر التاريخ، بحيث تمّ فيها تجميع جيوش الملوك السوريين المتحالفين ضد جيوش شلمناصر وصارغون الآشوريين في موقعة قرقر.

قام القائد السلوقي سلوقوس نيكاتور بالاهتمام بها وزادها عمراناً وتوسيعاً وأسماها أفاميا على اسم زوجته الفارسية (أبامي)، وقد ذكر استرابون أنه كان لسلوقوس فيها (300 جواد و30000 فرس و500 فيل). وهذا يدل على أهمية هذا الموقع للسلوقيين، كما شكلت أفاميا وأنطاكيا العاصمة السورية للسلوقيين مركز ثقل إداري وعسكري وثقافي، أفرز العديد من اللمحات الحضارية نراها واضحة في المكتشفات الأثرية.

الأعمدة في أفاميا

كان لهذه المدينة قلعة حصينة فوق الأكروبول حتى زمن الرومان إلى أن هدمها بومبي الروماني سنة (64 قبل الميلاد)، والتي تقوم مكانها اليوم قلعة المضيق.

أصبحت أفاميا في العهد البيزنطي مركز أسقفية، وفي منتصف القرن السادس الميلادي تعرضت هذه المدينة لغارات الفرس وعلى أثرها دُمرت أفاميا، وعلى الأغلب أنها تهدمت سنة (579م) إثر الحروب بين الروم وكسرى الأول (أنوشروان) كما كان للزلازل أثراً بالغاً بذلك.

فتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة (638م) ودخلها أمير أنطاكية الفرنجي /تانكريد/ وبقي فيها إلى أن حررها نور الدين زنكي سنة /1149م/، وبعدها سيطر عليها المماليك.

أفاميا

لأفاميا كما ذكرنا ماض مجيد يشهد على ذلك مبانيها العمرانية المتنوعة والمكتشفات الأثرية التي ملأت ردهات متحف أفاميا، ولعلّ أهم ما يميز مبانيها هو الطريق المستقيم ذي الأعمدة المحلزنة ومسرحها وتيجانها المميزة.

نقبت فيها بعثة بلجيكية منذ عام/1935م/ وكشفت العديد من المباني ولوحات الفسيفساء تماثيل وغيرها والتي تسطر الذاكرة الثقافية لهذه المملكة، ولا يزال هناك الكثير من الأسرار لحضارتها غافية في بطن تلك البقعة تحتاج لمعاول المنقبين لكشف اللثام عنها.

أرضية فسيفسائية من أفاميا
أرضية فسيفسائية من أفاميا تعود إلى القرن 5م محفوظة في متحف الفن والتاريخ في بروكسل، بلجيكا

وختاماً فإن مملكة أفاميا العظيمة هي عنوان هام في سفر الخلود للحضارة السورية.

 

إعداد: أحمد الغريب

المرجع: مكتبة رحى للمدن القديمة