رحى للمدن القديمة

ورق الغار ورمزيته عبر التاريخ

لاشك بأن الطبيعة بماتحتويه من أشجار ونباتات كانت ملهمة للحضارات القديمة، فالبعض من هذه الأشجار والنباتات لها صفة الديمومة، فرمز لها الإنسان منذ القدم للأبدية والخلود، فكان ورق الغار ورمزيته عبر التاريخ يحمل الكثير من القيم الثقافية.

رمزية ورق الغار

لعل من أهم الأشجار والنباتات التي رمز إليها الإنسان في معظم الحضارات بالخلود هي شجرة الغار كونها من الأشجار دائمة الخضرة  والعطرية لورقها، واستخدمت أوراق الغار في أكاليل الآلهة والأباطرة، وهناك ورق الأكانتس ( الأرضي شوكي )، وورق الخرشوف أيضاً من النباتات التي تحمل الكثير من الرمزيات ومنها الخلود كونها نبتة دائمة الخضرة، فاستخدمت رمزية أوراقها في التيجان للأعمدة والسواكف لاسيما في العهد الروماني و البيزنطي (العهد المسيحي ) وبخاصة للتيجان الكورنثية.

ورق الغار
تاج وركيزة في المدرسة الحلوية بحلب (ورق الأكانتس )

تعتبر شجرة الغار من الأشجار القديمة والتي كانت تشكل غابات غطت حوض البحرالمتوسط كونه شديد الرطوبة ونظراً للتغيرات المناخية التي حدثت لبعض المناطق من حوض المتوسط انحسر وجود هذه الشجرة في هذا العصر ليتركز في جبال طوروس والجبال الساحلية السورية وجنوبي إسبانيا وشمال وسط البرتغال وشمال المغرب.

لشجرة الغار مكانة مرموقة لدى الإنسان منذ القدم، ولبذوره صفة صناعية هامة، فزيت هذه البذور يعتبر الماده الأساس والهامة لصناعة الصابون الحلبي، ويسمى صابون الغار نسبة لزيت الغار الذي يستخدم مضافاً لزيت الزيتون لتصنيع صابون الغار، وكلما كانت نسبة زيت الغار كبيرة لصابون الغار كلما ازداد سعره، وكما تستخدم أوراق الغار في الطبخ لللحوم حتى وقتنا هذا .

الصابوني الحلبي
صابون الغار

 

اعتبر ورق الغار في كل الحضارات القديمة رمزاً للنصر والشرف , وكان يوضع إكليل الغار حول الرأس , أو حول الرقبة , وكثيراً مايتم ارتدائه بدل التيجان لدى الملوك والأباطرة وحتى الآلهة.

ورق الغار
إكليل الغار على رأس هرقل
ورق الغار
تمثال للامبراطور أنطونينوس يضع إكليل النصر من ورق الغار

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تم العثور على قطع نقدية منذ العهد الفينيقي في جزيرة أرواد تم صكها لهيئات وجوه الإله بعل يرتدي إكليل الغار على رأسه تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، كما استخدم ورق الغار بتشكيل رائع في العهد اليوناني والروماني، واستخدمت الأكاليل من ورق الغار في الأساطير اليونانية فهناك نقش للإله أبولو وهو يرتدي إكليل الغار، كما نجد عقاب بعل شامين في النقش التدمري يحمل بمنقاره غصن الغار رمزاً للنصر والخصوبة الزراعية، وكان يوزع إكليل الغار على الفائزين في ألعاب رياضية , والتي كانت تنظم لتكريم أبولو (إله الشمس ) .

كما عاد إكليل الغار للاستخدام في أوربا في القرون الوسطى لتعظيم الأدباء والشعراء، ثم اختفى استخدامه ليعود للاستخدام مع أقوياء أوربا للتذكير بقوتهم كما حدث أيام لويس الرابع عشر وكذلك نابليون.

تمثال النصر
تمثال آلهة النصر يحمل بيده إكليل من الغار
ورق الغار
عقاب بعل شامين في النقش التدمري يحمل بمنقاره غصن الغار رمزاً للنصر والخصوبة الزراعية

وفي العهد الروماني استخدم هذا الرمز بكثرة , لاسيما في التماثيل والنواويس، وزينت رؤوس الآلهة بأكليل الغار ورؤوس الملوك واعتبر ذلك رمزاً للنصر واعتبر ذلك تقليداً هلنستياً.

اسم الغار

واسم الغار باللغة اليونانية /Laurus nobilis/

وبالتالي ارتبط اسمه منذ القدم بالنبل /noble/ وله عدة صفات (الشرف والأصالة والمجد والنصر )، وارتبط بالسلالات المرموقة والملوك، كما ارتبط بالشعراء والفنانين والفلاسفة، فنراهم غالباً مايرتدون إكليلاً من الغار، إما على شكل دائرة أو دائرة منقطعة بشكل حدوة الحصان .

كما كان يرتدي إكليل الغار من تمتع بصفات روحانية كالكهنة والأنبياء وتماثيل الآلهة المختلفة .

ورق الغار
ورق الغار

ويرتبط هذا الرمز كما أسلفنا بالإله بعل، وكان هذا الإله عند الفينيقيين يمثل الشمس إلى جانب صفاته الأخرى، كإله الحرب والأمطار والعواصف والرعد وتتقاطع هذه الصفات مع الإله حدد والذي أصبح إسمه في العهد اليوناني _زيوس_ وفي العهد الروماني _جوبيتير_ لذلك كان للشكل الدائري لإكليل الغار دلالة روحية ترمز إلى الأبدية، كما أن شجرة الغار دائمة الخضرة، فهي بذلك رمزاً للخصوبة الزراعية الدائمة والتي تمثل رمزاً آخر وهو الأبدية والخلود، والنصر والشرف والإنجازات الفكرية التي مثل الخلود لصاحبها.

إعداد: أ.أحمد الغريب

المرجع: مكتبة رحى للمدن القدبمة