على الرغم من كون السّجّاد حرفة تراثية قديمة لكنها متجددة ومستدامة لأهميتها الاقتصادية، ولحياكة السّجّاد سرٌ في اختيار الألوان التي تتمازج مع الزخارف المُنفذة بمهارة. وتميزت سورية في العصر الاسلامي بنوعٍ عُرف باسم السَّجَّاد الدمشقي له ألوانه وزخارفه الفريدة، فحَمَلَ قيمة تاريخية وفنية وكذلك اجتماعية لتخصص عدد من العائلات في صناعته وللنساء دورٌ في هذه الصناعة.
نشأة صناعة السَّجَّاد وانتشاره
قامت النساء في الشرق القديم غالباً بأعمال الغزل والنسيج كما في عصور لاحقة، وتولّين مهمة تمشيط الصوف لتنظيفه ثم غزله بالمغزل.
اشترك صانعو السَّجَّاد مع النساجين في أعمال أخرى ضمن إطار صناعة المنسوجات، وتعدّ نصوص ماري البابلية القديمة ونصوص نوزي في بلاد الرافدين أغنى النصوص من حيث المعلومات المتعلقة بصناعة السَّجَّاد. ويبدو أن استخدام تقنية الحَبْك فيها لم تظهر إلا بعد 1500 ق.م.
ولقد ازدهرت صناعة السَّجَّاد في العصر الاسلامي، خاصةً منذ القرن 9 هـ/15م. ويُعتبر فن حياكة السَّجَّاد من أحدث الفنون السلامية.
انتشرت صناعته بصفة خاصة في إيران والأناضول وما حولهما مثل وسط آسيا والقوقاز، وعُرفت أيضاً في كافة أنحاء العالم الإسلامي مثل مصر وسورية، وشمال افريقية والأندلس والهند وغيرها.
فانقسم السَّجَّاد الإسلامي إلى طرز رئيسية بحسب الأقطار، وربما كانت إيران السباقة في هذا المجال لشهرتها بالسّجّاد العجمي. وتكاد تركيا أن تضاهي إيران في صناعة السَّجَّاد، حيث اشتهرت بلاد الأناضول بصناعة سجاجيد الصلاة، وقد بلغت أوجها في القرنين 11و12هـ/17و18م.




السَّجَّاد الدمشقي


ازدهرت صناعة السَّجَّاد في مصر وسورية في العصر المملوكي، وقد تَحدّث بعض الرحالة الأوربيين عن وجود مشاغل في ذلك العصر، ولقد اشتهر في سورية نوع من السَّجَّاد أُطلق عليه اسم سّجّاد دمشق، انتشر في أوروبا خلال القرن السادس عشر ميلادي وخاصة في البندقية “مرفأ الشرق”، إذ تردد اسم سجاد دمشق في سجلات الأسرات العريقة حيث استعمل كأغطية وستر.
ويمتاز سَّجَّاد دمشق برسومه الهندسية المتناسقة إلى جانب الرسوم النباتية والعناقيد ذات الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء والصفراء. والسجاجيد المعروفة حتى الآن ذات أرضية خمرية وإطارها ذو لون أزرق أو أخضر مصفر وللألوان درجات مما يعطي أبعاداً للزخارف.
صُنّع من خيوط الصوف والسداة مصنّعة من الصوف أيضاً، وهنالك سجادة معروضة في متحف الفن في فيينا مصنوعة من خيوط الحرير. وثمة سَّجَّادة أخرى محفوظة في متحف فيكتوريا والبرت في لندن بقياس 6*9م قد تكون لمسجد أو قصر، وهي بلون أحمر خمري وفيها أشكال هندسية زرقاء مع بعض الأشكال المعينية المخططة شطرنجياً. وفي مركز السَّجَّادة جامة كبيرة وتبدو في السَّجَّادات إشارات مميزة، وهي نموذج من الوسم العربي، الذي يرجع إلى العصر الأموي.
واشتهرت سورية بالبسط ذات الوبر، فذكر المقريزي أنه وُجد في العصر الفاطمي بسطاً من صناعة القلمون في دمشق.
تشابه السَّجَّاد الدمشقي مع السَّجَّاد المصري واختلافه عن السجاد العجمي


لا يختلف السَّجَّاد الدمشقي كثيراً عن السَّجَّاد المصري، فغالباً ما يقع المختصون وأمناء المتاحف في خطأ تحديد هوية السَّجَّاد العربي، إذ أنّ أسلوب دمشق والقاهرة والمغرب والأندلس أسلوبٌ مُستمد من مفاهيم الفن العربي الذي يغلب على رسوماته الأشكال الهندسية أو الرمزية أو النباتية أو الكتابات، مبتعداً عن الرموز والأشكال الحيوانية، على عكس السَّجَّاد الفارسي (العجمي) الذي اهتم بالأشكال البشرية والحيوانية.
ولقد استمد السَّجَّاد المصري والدمشقي زخارفه الهندسية من الزخارف المنقوشة على القطع المعدنية والجلدية والخزفية المملوكية.
يتشابه سجاد القاهرة مع سجاد دمشق في لونه الأحمر الخمري الذي يهيمن على الخلفية، وبعض السجاجيد مصنوعة كلها من الحرير، ولكن أكثرها مصنوعة من خيوط الصوف، وطريقة العُقد متقاربة مع العُقد الدمشقية والأندلسية.
أجود الأنواع، هو ما يُعرف بذي الخمل أو ذي الوبر المعقود الذي يمتاز عن السَّجَّاد المنسوج بالمتانة وحُسن الملمس، إلى جانب الغنى الفني.
المواد الأولية المستخدمة في تصنيع السَّجَّاد الدمشقي
يُستخدم الصوف غالباً والحرير في بعض الأحيان، وقد تكون السداة واللحمة (أي الخيوط الطولية والعرضية) من الصوف أو الكتان أو القطن، أما العُقد فمن الصوف وربما من الحرير، وتستخدم خيوط الفضة أو الذهب في بعض الأنواع الفاخرة. وتُلّف العُقد حول خيوط السداة بحيث تكون أطراف العقد عند وجه السَّجَّادة.
تزدهر هذه الصناعة حيث تتوفر البيئة والموارد الطبيعية. فتنمو الأغنام في جو مناسب تجد فيه الغذاء الجيد الذي يضفي على صوفها الجودة والنعومة ذلك الصوف الذي لعب دوراً هاماً ورئيسياً في صناعة السَّجَّاد. وأجود الصوف هو ما أُخذ من الكتف في حين أن أردؤه ما أُخذ من البطن والأرجل.
مراحل تحضير الصوف وصباغته


يقوم البدو الرُّحَّل بجزّ صوف خرافهم مرتين في العام في أوائل الربيع وفي فصل الخريف. ويتم جزّ صوف الخراف الصغيرة في فصل الخريف وهو أثمن لأنه أكثر نعومة.
يمر تجهيز خامة الصوف بعد جزّه بعدة مراحل هامة، وهي مراحل أساسية في جميع البلدان التي تُنتج السَّجَّاد كما أنها أيضاً مراحل أساسية في تحضير خامة القطن.
في أول الأمر يتم غسله جيداً بالماء الساخن الخالي من الأملاح لإزالة المواد الدهنية. ثم يُجفف بتعريضه للشمس والهواء، ثم يُمشّط وبعد ذلك يفرز حسب صنفه ولونه الطبيعي ثم يُندّف.
بعد ذلك يُغزل الصوف بمغزل (شاع استخدامه بين القبائل الرُّحل) ليتحول إلى خيوط، ويتم غزل الصوف عادةً بإدارة المغزل في اتجاه عكس اتجاه عقارب الساعة وهذا الأسلوب متبع في معظم المناطق التي تنتج السَّجَّاد.
بعد عملية الغزل تأتي عملية برم الغزل أي جدله وتتم بمغزل بسيط في اتجاه اليمين مع اتجاه عقارب الساعة أي معاكس لعملية الغزل. ولكل من خيوط السداة واللحمة وخيوط العقدة مغزلها الخاص. بعد ذلك تُنقع الخيوط في ماء دافئ ثم تغسل جيداً وتجفف.
ثم تأتي مرحلة الصباغة وهي أدق المراحل وتتوقف عليها قيمة السَّجَّادة. وقد يستخدم الصوف بألوانه الأصلية، وقد يُصبغ. ويتوقف جمال الألوان بصفة عامة على مدى لمعان الصوف، ونعومة ملمسه.
أَمدت الطبيعة الصانعين والحرفيين بمصادر طبيعية لاستخراج مادة الصباغة وهي مصادر نباتية ومصادر حيوانية. تتمثل المصادر النباتية في جذور وسيقان النباتات وأوراقها وثمارها، أما المصادر الحيوانية فهي عبارة عن إفرازات العصارة الحيوانية كالدودة القرمزية وبعض الحيوانات المائية. ويحتفظ الصُنّاع عادةً بسر تركيبة مواد الصباغة وأساليب التلوين فيتم تداوله بين الأجيال.
كيفية وآلية تصنيع السَّجَّاد
صناعة السَّجَّاد ذات طابع منزلي، ولقد تخصصت بعض الأسر فيها بحيث أصبح لكلٍّ منها أسلوبها الخاص بها سواءً في طريقة الصناعة أو في الزخرفة، لكن ذلك لم يمنع من انتقال التأثيرات أو من تطور الأساليب. ويُصَنّع السجاد ليستعمل كبساط أو مفرش أو ستارة أو غير ذلك.
استخدم في نسج السّجّاد النول الرأسي وهو عبارة عن نول بدائي لا يزال يستخدم في عمل السجاجيد اليدوية، ويتكون من عارضتين من الخشب مستديرتين ومتوازيتين ومثبتتين بين دعامتين رأسيتين من الخشب، وتمتد بين هاتين العارضتين مجموعة من الخيوط المثبتة تُعرف بخيوط السدى. وتُحدد المساحة بين العارضتين عرض السَّجَّادة أما الطول فيُحدده النسّاج.
استخدمت في صناعة السجاجيد ثلاثة أنواع من العقد: العقدة الفارسية المشهورة بعقدة سينا، والعقدة التركية، والعقدة الاسبانية، وكلّما كثرُ عدد العقد وازدادت متانتها وشدة حبكها كلما ارتفعت قيمة السَّجَّاد.
يَبدأ تشكيل السَّجَّادة من حافتها السفلى وفق نموذج أو تصميم محفوظ في ذاكرة الصُنّاع المهرة. وبعد أن يُتمّ النسّاج صفاً من العُقد، يقوم بتثبيتها بواسطة الضرب عليها ثم إمرار خيط أو خيطين ما بين سداة وأخرى بطريقة أفقية تَمنع العُقد من أن تُفك ثم يضغط الكل بضربة مشط.
فبذلك تتكون السَّجَّادة من خيوط السداة الطولية وخيوط اللحمة الأفقية ومنها تتكون الأرضية، ثم من خصل الصوف التي تُعقد حول خيوط السداة لتُكَوِنْ العُقد أو الوبرة.
تختلف كثافة السَّجَّادة حسب عدد العقد، فكلما كَثُرَ عدد العُقد كلما ازدادت دقة الزخارف وقلّ طول الوبرة.
عند الانتهاء من صنع السَّجَّادة وقطعها عن النول تُترك مسافة من خيوط السداة تبلغ حوالي 25سم تسمى (الفرانشة). وعلى الجانبين نوع من النسيج يسمى “البرسل” فتصبح السَّجَّادة داخل إطار من نسيج قوي محبوك يعطيها الكثير من المتانة.


اتفقت الآراء على أن صناعة السَّجَّاد المعقود نشأت على أيدي القبائل التركية الرُّحل في أواسط آسيا، وفي القرن الثالث عشر الميلادي كان للسلاجقة السيادة على معظم آسيا الصغرى، حيث أرسوا الأُسس التي قام عليها هذا الفن وانتشر في العالم الإسلامي وحوض البحر الأبيض المتوسط. وكان للسَّجَّاد الدمشقي سمة خاصة في هذا الفن.
المراجع:
- زودن، فون. مدخل إلى حضارات الشرق القديم. تر: فاروق إسماعيل. دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، سورية عام 2003م.
- باشا، حسن. موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية. مج 2. أوراق شرقية للطباعة والنشر ط1. بيروت، لبنان 1999م.
- باشا، حسن. مدخل إلى الآثار الإسلامية. مطبعة جامعة القاهرة، مصر 1990م.
- بهنسي، عفيف. الشام (لمحات آثاريّة وفنيّة). دار الرشيد للنشر، العراق 1980م.