رحى للمدن القديمة

مدينة معلولا … عناقٌ مع التاريخ

حين تقترب من مدينة معلولا تلفحك هيبة التاريخ، وذكريات موشحة بعبق الماضي الجميل لهذه المدينة الوادعة بين أحضان سلسلة جبلية تفاوت ارتفاعاتها من /1500م-1750م/ والتي لايزال أهلها يتحدثون اللغة الآرامية (لغة السيد المسيح) للحفاظ على هذا الموروث الروحي.

موقع مدينة معلولا

تقع مدينة معلولا إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق ب/56كم/.

بنيت هذه المدينة الجميلة عبر تراكيب معمارية متناسقة وبهندسة روحانية تعشقت مفرداتها بجبالها الشمّاء ضمن شق جبلي وتحولت إلى لوحة جميلة ملأت الأفق بمشهد رائع.

لمدينة معلولا قداسة روحية يشهد على ذلك العديد من المواقع الكنسية التاريخية، كدير القديسة تقلا للروم الأرثوذكس والتي تحفل الذاكرة لهذه القديسة بالعديد من القصص التي تعتبر جزءاً من الموروث والتراث اللامادي لهذه المدينة، ودير القديس سركيس والقديس باخوس للكاثوليك وغيرها.

أيقونة في دير القديسة مار تقلا

أبرز الأبنية الدينية في مدينة معلولا

دير القديسة تقلا

سكنت القديسة تقلا هذه البقعة (معلولا)، وهي فتاة نشأت في قونية (آسيا الصغرى) في القرن الأول الميلادي، ولدى سماعها مواعظ القديس بولس سنة67م في بلدتها، تأثرت بالبُعد الروحي لهذه المواعظ الأمر الذي جعلها تتخلى عن وثنيتها وتعتنق المسيحية، فهاجرت من والديها وخطيبها (الوثنيين) متجهة إلى سورية، وتنقلت من مكان لآخر حتى وصل بها الرحال إلى معلولا، لبعده عن الأنظار، وأمضت حياتها بأمان، وقد اتخذت من أحد الكهوف العلوية في جبل معلولا مأوى لها، وأمضت حياتها بالصلاة والتعبد، وقد لاقت حينذاك استقبالاً وترحاباً من أهل هذه المدينة، حيث أعجبهم تقاها وورعها وصفاء روحها وزهدها فاعتبروها قديسة.

أمّا دير القديسة تقلا فقد تمكنت تقلا من تشييد بناء صغير ضمن كهف جبلي، وتوسع فيما بعد حتى أُصبح يعرف باسم (دير القديسة تقلا)، وقد اتخذه العديد من المرضى والنساء العقيمات فيما بعد مكانا للشفاء والتبرك بقدسية تقلا، ويحفظ هذا الدير العديد من الأيقونات الدينية والتي تمثل ثقافة ذلك العصر.

دير القديسة مار تقلا في معلولا

 

دير القديس سركيس والقديس باخوس

أمّا دير القديس سركيس والقديس باخوس فقد شُيدا على قمة جبل يرتفع نحو / 1792م/ ويطل هذا الدير على معلولا بمنظر مهيب تغشاه القداسة.

كان هذا الدير في البداية معبداً وثنياً ولما ساهمت سورية في انتصار المبادئ المسيحية على المعتقدات الوثنية، تخلى معظم الناس عن وثنيتهم وتحول المعبد إلى كنيسة مسيحية، ويبدو هذا الدير كالحصن من خلال جدرانه المحصنة وموقعه، وأقام في هذا الدير الرهبان والفلاحين والمزارعون وغيرهم وبات يُعرف باسم القديس سركيس والقديس باخوس، والذين قضى عليهما الرومان، وحفظت سورية ذكريات هذين القديسين، فاطلقت اسم القديس سركيس على مدينة في حوض الفرات قرب الرقة عرفت باسمه (سرجيوبوليس) وهي الرُصافة حالياً، تبركا بقدسية هذا القديس، كما يضم الدير العديد من الأيقونات والتي لها أهمية فنية وجمالية ودينية.

كما تضم معلولا العديد من المباني الجنائزية وغيرها.

دير القديس سركيس وباخوس في معلولا

 

والزيارة لمدينة لمعلولا الحالمة هي عناق مع التاريخ، واستلهام لذكريات الأمس التي تسكن الذاكرة لأبناء هذه المدينة، والتي تُعتبر صفحة من صفحات المجد الحضاري لسورية التاريخ.

أ. أحمد الغريب

المرجع: مكتبة رحى للمدن القديمة