رحى للمدن القديمة

ماذا تعرف عن طقوس رمضان في مدينة حلب؟

قبل الحديث عن طقوس رمضان في مدينة حلب لابد من التعريف عن أهمية هذا الشهر. شهر رمضان هو الشهر التاسع من الأشهر القمرية، اسمه من الجذر اللغوي (رمض)، إذ يقال: رمض الرجل إذا وجد حرّ الرمضاء. ورمض اليوم أي اشتد حره.

وقد سموه الناس بذلك لأن الأصل فيه وقوعه في الصيف، وعرف بالشهر المبارك لأنه شهر الصوم في الإسلام. وكان يسمى في الجاهلية بالأصم لأنه لا يسمع فيه صوت سلاح لقداسته في الجاهلية.

فرض الله صيام شهر رمضان في الدين الإسلامي في السنة الثانية من الهجرة النبوية.

قال البهوتي:

(فرض في السنة الثانية من الهجرة، إجماعاً، فصام النبي ﷺ: تسع رمضانات إجماعاً).

والصيام عند المسلمين هو التوقف عن الطعام والشراب من آذان الفجر وحتى آذان المغرب خلال شهر رمضان. ترافق صيام الشهر عند المسلمين بعادات مختلفة تتعلق بالأطعمة والطقوس الدينية مثل صلاة التراويح.

طقوس شهر رمضان في مدينة حلب:

وكما كان لكل مدينة طقوسها الخاصة، فقد كان لمدينة حلب طقوسها الخاصة التي تميزها عن غيرها من المدن. فقد خصوه الحلبيون ببعض الأطعمة التي لا تؤكل إلا في هذا الشهر كالمعروك وقمر الدين وغزل البنات.

ومن المشروبات كالتمر الهندي والعرق سوس، بينما في مدينة دمشق بالإضافة للمأكولات السابقة فهم يأكلون الناعم ويشربون عصير الجلاب.

وكان السكان يتبادلون سكبات الطعام بين بعضهم البعض. وكان يوجد في قلعة حلب عدد من المدافع التي تضرب البارود احتفالاً في دخول الشهر ووقت الإفطار ووقت الإمساك.

مدافع القلعة
مدافع قلعة حلب

طقوس رمضان في ذكر  المؤرخون:

يقول المؤرخ الشيخ كامل الغزي أنه كان يوجد في قلعة حلب عدد من المدافع تستعمل في الأعياد والاحتفالات السلطانية يطلق منها واحد وعشرون مدفعاً في إثبات شهر رمضان والعيدين وفي ظهر اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وفي كل وقت من الأوقات الخمسة في العيدين ويطلق فيها أكثر من ذلك أو أقل في استقبال كبار الموظفين والحفلات الرسمية،.

وفي عام 1307ه/1889م قام أهل المحلات التي تجاور القلعة والتمسوا من الحكومة إبطال إطلاق المدافع منها لأنها وهنت أبنيتهم برجيجها فأجابتهم الحكومة إلى ذلك وصارت تطلق المدافع من رباط الشيخ براق، وبقي في القلعة عدد من المدافع وعدد كبير من الكرات والبارود وأحياناً تطلق عند دخول شهر رمضان، وفي وقتنا الحالي لم تعد هذه العادة مستخدمة.

ويُحكى أنه كان يوضع على مئذنة الجامع الأموي في حلب وقت آذان المغرب راية حمراء كإشارة على بدأ وقت الإفطار لسكان المناطق البعيدة الذين لا يصلهم صوت الآذان.

وأيضاً من تقاليد شهر رمضان المسحراتي الذي يأخذ على عاتقه مهمة إيقاظ الناس لكي يتناولون وجبة السحور قبل وقت الإمساك، أما الآن فقد زالت هذه العادة.

ومن عادات أهل حلب بحسب المؤرخ الشيخ كامل الغزي عندما يبلغ الطفل سن المراهقة ويبدأ بصوم شهر رمضان، فإن في أول يوم صيام له يعمل له فرش مملوء بالحلوى يفطر عليها مساء ذلك اليوم.

الجامع الأموي الكبير في حلب
الجامع الأموي الكبير في حلب
طقوس رمضان
معروك رمضان في حلب

رمضان في ذكر الرحالة:

يذكُر الأخوين ألكسندر وباتريك راسل في كتابهم تاريخ حلب الطبيعي في القرن الثامن عشر أن المحال التجارية خلال شهر رمضان كانت تفتح في وقت متأخر من النهار.

والأشخاص ميسورو الحال لا يخرجون من بيوتهم معظم الوقت. لكن الأشخاص الذين تستدعي ظروفهم التجوال أو العمال المياومون، فيتعرضون لحرارة الصيف وبرد الشتاء.

وفي الليل كانت الأسواق تضاء بعدد كبير من المصابيح وتبقى المحلات مفتوحة إلى وقت متأخر من الليل، ولا تغلق المقاهي والحمامات إلا مع اقتراب الفجر.

معروك رمضان
معروك رمضان

 

وقد دخل شهر رمضان في الأمثال الشعبية عند الحلبيين، مثل: (سموك مسحر فخلص رمضان) تعبيراً عن الحظ السيئ. وسموا آخر أيام الشهر أيام الوداع، وفي آواخر هذا الشهر ليلة القدر. ويظن الناس أن الله في هذه الليلة يقيد الجن. وتُعدّ هذه الليلة ذات قدسية خاصة لدى المسلمين لاعتقادهم بأنها الليلة التي شهدت نزول الوحي على النبي محمد صل الله عليه وسلم. وأول آيات القرآن الكريم. ومن عادة المسلمون في هذه الليلة إقامة الاحتفالات الدينية وتوزيع الملبس على الحاضرين. ويقضي المسلمون في هذه الليلة أطول وقت ممكن في المساجد والجوامع.

ملبس ليلة القدر
ملبس ليلة القدر

وفي آخر أيام رمضان يبدأ التحضير لحلويات العيد من معمول وكرابيج وكعك …الخ. ومع رؤية هلال شهر شوال ينتهي شهر رمضان المبارك ويبدأ عيد الفطر،

وسنتحدث في مقال لاحق عن طقوس عيد الفطر في مدينة حلب.

المراجع:

نهر الذهب في تاريخ حلب، ج1،ج2،  كامل الغزي.

الشهور والأيام في موسوعة الأسدي، ناديا حسكور

تاريخ حلب الطبيعي في القرن الثامن عشر، ألكسندر وباتريك راسل، ترجمة خالد الجبيلي