تحيط بالأيقونة هالة الإيمان والقداسة، وتحمل في معطياتها نسقاً فنياً بنزعة تعبيرية تتراوح بين الواقع والمُتخَيل لتُحاكي جوهر المشهد المُتمثِل بصور السيد المسيح والسيدة العذراء والقديسين. ولقد أظهرت دلائل البحث تاريخ فن الأيقونة السورية منذ القرون الميلادية الأولى حتى العصور الحديثة على الرغم من وجود بعض فترات انقطاع.
معنى ودلالة الأيقونة
أصل الكلمة يونانية بلفظ Eikōn. وهي الصورة ذات الطابع الديني المسيحي التي تُنفذ على الفسيفساء أو الرسوم الجدارية أو الخشب.
ظهر مدلولها مع بداية انتشار المسيحية، حيث اعتمدت الكنيسة على الفن التصويريّ لتُفسر تعاليمها، فهي تُمثل رسالة ولاستمرارها ضرورة لتبليغ هذه الرسالة، وذلك من خلال إبراز الشخصيات التي عاشت الإيمان القويم بصدقٍ وإخلاص.
أقدم أثر لفن الأيقونة السورية
من أوائل آثار الفن الأيقوني من القرن الثالث الميلادي ما وجد في شمال شرق سورية في دورا أوروبوس في جداريات غرفة المعمودية في بيت التبشير المسيحي، وتعتبر أقدم رسم تصويري للسيد المسيح في سورية وهي تمثل أعجوبة شفاء المُقعد. بالإضافة إلى مشاهد من العهد القديم كقصة النبي موسى التي زَينت جدران الكنيس اليهودي.




يتناسب الأسلوب الفني فيها مع تيارات الفن السوري الذي حمل معنى الفن الهلنستي-الروماني في تلك الفترة، ومثال على ذلك فن تدمر في الرسم الجداري في معبد ميثرا الذي يمثل رجلاً جالساً على عرش يحمل بيده صولجاناً سمي بالنبي. بالإضافة إلى رسوم مدفن الإخوة الثلاث التي ترجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي وهي تمثّل تباشير ظهور فن الأيقونات المسيحية.


نماذج من فن الأيقونة السورية
رموز مسيحية
تتمثل آثار مسار الأيقونة في سورية من القرن الرابع الميلادي إلى القرن السادس ميلادي، في الرموز المسيحية المصّورة في الأرضيات الفسيفسائية في كنائس قرى الكتلة الكلسية في الشمال وكنائس أفاميا وكنائس الجنوب. ولقد ضمّت هذه الكنائس حواجل الزيت المقدّس الشافي التي صنعت في أواخر القرن السادس ميلادي وهي أواني الحجاج لحفظ ونقل الزيت والماء، حمل بعضها رسوماً أيقونية منها ما عثر في دير سمعان العمودي.


رسوم أيقونية
من نماذج الفن الأيقوني من القرن السادس الميلادي، إنجيل طقسي سرياني زَيّن صفحاته الراهب ربولا بالرسوم الأيقونية في دير مار يوحنا في بيت زغبا في سورية الشمالية. ويعتبر هذا الإنجيل المهد الأول للتصوير المسيحي ومرحلة الانتقال من الفن المسيحي البدائي الأول إلى الفن الأيقونوغرافي.


ولقد امتد التأثير الفني السوري إلى مصر فتجلى ذلك في أيقونة القديسين سيرجيوس وباخوس -المستشهدان في سرجيوبوليس (الرصافة)- التي تعود إلى القرن السادس أو السابع ميلادي. فيظهر فيها تأثير الفن التدمري من خلال الموقف الجبهي تجاه الناظر والعيون الكبيرة.


ولقد ظهرت حركة مناهضيّ الأيقونات المعروفة بحرب الأيقونات في منتصف القرن الثامن ميلادي، فحَرّمت الصورة ومجّدت ذكرى القدسيين دون تعبّد لصورتهم، وبناءً عليه صاغت الكنيسة قوانين وشروط لرسم الأيقونات وضبط أسلوبها. ولقد أبدع الفنانون البيزنطيون في رسم الأيقونة، فسُميت الأيقونة أيقونة بيزنطية.
التصوير الجداري
مع حلول القرنين العاشر والحادي عشر عاد الفن الأيقوني من جديد، ومن نماذج هذا الفن أيقونات جدارية من القرن الحادي عشر ميلادي حتى القرن الثالث عشر ميلادي في كل من دير مار يعقوب قرب قارا ودير مار موسى الحبشي في النبك، وكذلك جداريات كنيسة القديسين سركيس وباخوس في قارا وجداريات كنيسة مارا اليان في حمص التي تمثل مواضيعها مشاهد من الكتاب المقدس.
تميزت تلك الرسوم الجدارية برسمها المسطح وببساطة ألوانها وأسلوبها الذي يعتمد على الخط في إظهار الشكل. وينضم أيضاً إلى جداريات هذه الفترة كلّ من جداريات قلعتي الحصن والمرقب.


مدارس فن الأيقونة
المدرسة الحلبية


شهدت الأيقونة نهضة فنية في سورية في القرن السابع عشر ميلادي فجُددت الكنائس وزُينت.
تَميز هذا الفن على يد يوسف المصوّر الحلبي الذي أسس مدرسة لتصوير الأيقونة في حلب، سار على نهجها أجيال عائلته بدءاً من نعمة الله بن يوسف وحنانيا بن نعمة الله وجرجس بن حنانيا.واستمر نتاجهم الفني حتى القرن الثامن عشر ميلادي، والشاهد عليه أيقونات مهمة في كنائس وأديار سورية ولبنان. وأبرزها أيقونة الدينونة في كنيسة الأربعين شهيد في حلب من رسم نعمة الله وابنه حنانيا عام 1708م، بثلاثة مشاهد هي السماء والمَطْهَر والنار.
اصطبغ فن الحلبيين بصبغة بيزنطية يونانية فتجلى فيها الطابع الشرقي، وامتازت أيقوناتهم بالإطارات الحمراء والخضراء المزخرفة. وبالتأكيد برزت أسماء أخرى في القرن الثامن عشر مثل حنا القدسي وعيسى القدسي وكيرللس الدمشقي.
مدرسة القدس
برزت في القرن التاسع عشر ميلادي ظاهرة أيقونية ثانية دُعيت بأيقونات مدرسة القدس، صُنع معظمها في القدس وتوزعت أيقوناتها في كنائس سورية ولبنان وفلسطين ومصر وأديارها. اختلفت عن المدرسة الحلبية واتبعت أسلوب الواقعية المتأثر باللوحات الدينية الغربية التي كانت تُجلب إلى الأراضي المقدسة. برز من مصوريها نقولا تيودري القدسي وميخائيل مهنا القدسي ومن أعماله أيقونات في كاتدرائية الزيتون للروم الكاثوليك في دمشق.
وانبثق عن المدرسة الحلبية والمدرسة المقدسية فرعيين أحدهما في دمشق والثاني في حمص.
تقنية رسم الأيقونة السورية


كان أسلوب تنفيذ الأيقونة يعتمد على تقنية العمق أي البعد الثالث وذلك من خلال مبدأ الظل والضوء، واستغلال الفراغ بنور من الذهب. وتمّ اتباع النزعة الخطيّة بإظهار إطارات للأشخاص الممثلين بوضوح والوجوه مواجهة للناظر والعيون كبيرة بنظرة ثاقبة ترمزُ إلى العيون الساهرة على الصلاة، أما النظرة الجانبية فهي تُعبّر عن عدم وجود الشخص الفعلي في الحدث والفم مغلق فهو مطبقٌ على سر الإيمان بالله وتعبر عن الصمت الداخلي والصوم، وبالتأكيد ترمز الهالة إلى نور القداسة.
يجب أن تكون مواد الرسم مواد حيّة من الطبيعة، وحتى الألوان من عناصر الطبيعة مثل اللون الأحمر من أكسيد الحديد واللون الأبيض من الكلس الأبيض ولكلٍّ منها رمز فالذهبي يعبر عن الأبدية، والأبيض رمز للعالم السماوي والأحمر لون الدم والحب اللامتناهي.
فالأيقونة فنٌ ذو قيمة دينية مقدسة. تُستخدم أثناء الشعائر الدينية والاحتفالات والأعياد فتُصوّر الحدث الذي يتمُّ الاحتفال به. وتمتلئ المتاحف الوطنية والعالمية بالأيقونات الأثرية بكافة أنواعها، وتزدان الكنائس في كافة أرجاء العالم بها لتغمرها روحاً وطُهراً.
المراجع
- كيوان، خالد. آثار العصور الكلاسيكية الرومانية. منشورات جامعة حلب. 2018م.
- غولي، محمد علي؛ الحلي، رشيد. جماليات الأيقونة في الفن المسيحي. مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية. مج5. العراق
- الزيات، إلياس. الأيقونة. موسوعة الآثار في سورية. المجلد الثاني. هيئة الموسوعة العربية. دمشق 2015م.
- يوسف، ديما. الأيقونة في مدينة طرطوس ومنطقتها خلال العصرين البيزنطي والإسلامي. جامعة دمشق. 2011م.
- حجار، عبد الله. معالم حلب الأثرية. حلب 2010م.