رحى للمدن القديمة

ماهي حقيقة النار في عيد النوروز ؟

التصق عيد النوروز في الوعي واللاوعي المشرقي القديم بالأسطورة التي كرستها الثقافات الكردية والفارسية بمغزى روحي عميق يرمز إلى انتصار الخير على الشر وولادة النور وانقشاع الظلام .

 

 الجذور التاريخية لعيد النوروز:

تحكي الأسطورة الكردية  بأنّه في قديم الزمان كان هناك ملك شرير اسمه سرجون لُقّب (بالضحاك) ،كان هذا الملك ومملكته قد لُعنا بسبب شره وخيّم الظلام على سكان القرية والقرى المجاورة فالشمس وانتشر يباس الأرض في كل الأصقاع.

كان هذا الملك قد لُعن بأفعتين رُبطتا بأكتافه وكانت هذه الأفاعي تتغذى على أدمغة الأطفال الصغار .استمر الأمر على هذه الحال إلى أن جاء أحد أبناء القرية يدعى كاوا الحداد وقرر التخلص من هذا الملك فقام هو ومجموعة من الشباب بالانقلاب عليه  وقتله، ثمّ بنى مشعلاً كبيراً من النار وصعد إلى أعلى الجبل فأضاء السماء وطهّر الهواء من شر ( الضحاك) معلناً انتهاء عصر الظلام وولادة يوم جديد، أشرقت به الشمس ونَمت الأرض من جديد.

كاوا الحداد
                                                كاوا الحداد

صادف هذا اليوم يوم الاعتدال الربيعي وأُطلق عليه اسم يوم النوروز أي اليوم الجديد باللغة الكُردية.

تنبع أهمية هذا اليوم كونه أحد أقدس أيام التقويم الزرادشتي القديم ويوم سنوي مرتبط بولادة الربيع والخصب وتجدد الحياة.

ارتبط هذا اليوم أيضاً بالنار تيمُناً بنار الانتصار التي أشعلها كاوا الحداد على قمة الجبل رمزاً للإصرار على الحياة والنور والدفء والتقرب من الله في المعتقدات الزرادشتية.

 

 

 

 

 

طقوس العيد :

قديماً كانت تبدأ طقوس العيد قبل رأس السنة الشمسية بأيام وتستمر بعدها لمدة 13 يوماً، ومع مرور الزمن أصبح الاحتفال به يبدأ بيومي العشرين والواحد والعشرين من شهر آذار من كل سنة.

تبدأ الطقوس في يوم العشرين من آذار، بتزيين البيوت وعمل الخبز المحلى وينشغل الأطفال والشباب الكبار بتحضير ملابس العيد التي تعكس الطبيعة الجبلية الخضراء التي يعيش الكُرد بها.

يتميز زي النساء والفتيات الكُرديات ببريقها ولمعانها وألوانها الصارخة، تأتي على هيئة ثوب طويل ملون أو مطرّز بأنواع مختلفة من الطرزات والحراشف المعدنية البراقة . أمّا الرجال والشباب يرتدون جاكيت وقميص وشروال فضفاض ويستعمل معها قطعة قماش تُلف وسط الخصر .

 

                                                                             الزي الكردي 

يبدأ الاحتفال تحت أشعة الشمس وتجري العادة بتسلّق الشبان والشابات بعد مغيب الشمس لإشعال النار في الأماكن المرتفعة إيذاناً بقدوم النوروز .

في اليوم الواحد والعشرين يقوم الناس بزيارة الأهل وتبادل الهدايا، من ثم يخرج الجميع وتبدأ الاحتفالات في الطبيعة على أصداء الأغاني الكُردية وتُعقد حلقات الدبكة فرحاً بهذا اليوم.

 

عيد النوروز
                                                                                   شعلة عيد النوروز 

 

عيد النوروز في الفضاءات العربية :

كان لعيد النوروز نصيب في الأدب خاصةً في العهد الأموي والعباسي وكذلك في الأدب العربي الحديث، وقد تغنّى به العديد من الشعراء العرب ونظموا قصائد سموها قصائد بهارية نسبةً إلى كلمة بهار وتعني الربيع باللغتين الكُردية والفارسية .

حظي هذا العيد باهتمام الدولة الأموية كما وشارك خلفاء الدولة العباسية في إحياء شعائر النوروز واعتبروه عيداً رسمياً يُحتفل به كل عام، وفي أثناء هذه المجالس كان الشعراء والخطباء يغتنمون فرصة إيقاد النار ليشاركوا خلفائهم في إقامة شعائره وليُعبّروا عن آمالهم وأشواقهم، وقد كتب الشاعر (كشاجم) أبياتاً تُعبّر عن حزنه لفراق أصدقائه فانسالت الدموع من عيونه وقال :

لمّا رأيتُ النوروزَ سنتَُه    صّبت مياهَ وشبَّ نيران

ونُُوروزتُ وَحدي والشوقُ يُقلقني   بنارِقلبي وماءِ أجفاني 

وتغنى البُحتري في النوروز وبقدوم فصل الربيع  مادحاً الخليفة المعتز بالله في شعره قائلاً :

وافَيتهُ والَوردُ في وَقتٍ مَعاً        وَنَزَلتَ فيهِ مَعَ الرَبيعِ النازِلِ

وَغَدا بِنيروزٍ عَليكَ مُبارَكٍ              تَحويلُ عامٍ اِثرَ عامٍ حائِلِ

لم يقتصر الاحتفال بهذا اليوم على المجتمعات الكُردية فقط، بل هناك العديد من البلدان الواقعة على طريق الحرير تحتفل به بما في ذلك أفغانستان، أذربيجان، الهند، العراق، إيران، أوزرباكستان .. إلخ.

على الرغم من اختلاف العادات والتقاليد المرتبطة بعيد النوروز من بلد إلى آخر إلا أن هناك سمات مشتركة بينهم، كإشعال النار القفز فوقها، وارتداء الأزياء الخاصة بهذه المناسبة، بالإضافة إلى الاحتفالات الجماعية تحت أشعة شمس الربيع.

ونظراً إلى أنّ هذا العيد كان قديماً يعزز العلاقات بين الشعوب ومختلف المجتمعات قامت منظمة (اليونيسكو) بإدراج عيد النوروز وفقاً لاتفاقية 2003 الخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي، باعتباره عنصراً في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية عام 2009.

في عام 2010 أعلنت (الجمعية العامة للأمم المتحدة) قراراها بإعلان عيد النوروز يوماً دولياً للحفاظ على الثقافة والتقاليد المتصلة بهذا العيد وتطويرها وتشجيع الدول للتوعية به وتنظيم مناسبات سنوية احتفالاً به.

 

المراجع :

  • حيدر، عمر: أدب الفلكلور الكردي، العدد 2.
  • الجزيري، علي: الأدب الشفاهي الكُردي- الجزء الأول.
  • ممتحن، مهدي : النورزو مظهر الثقافة والحضارة بين الفرس والعرب، العدد الاول.