رحى للمدن القديمة

المولوية في حلب ، ما هو سر انتظام الحركة أثناء الدوران؟

يرى الصوفي أن القلب مركز الحب الإلهي وهذا ما أوحى بالرقصة الصوفية إلى جلال الدين الرومي عندما خرج لصلاة الفجر، فرأى الورد والزهور والربيع والندى والجمال والنقاء، ففتح قلبه للدنيا وراح يدور قائلاً: ((مجرات النجوم تدور، وجميع الكواكب تدور، والدورة الدموية في الجسم تدور، وحجاج بيت الله الحرام حول الكعبة يدورون، وقطرات الماء في الدنيا من البحار إلى السماء، فالأرض عائدة إلى البحار، إنها تدور)) ومن هنا بدأت المولوية وانتشرت لتصل إلى حلب.

مصطلح المولوية ومركزها الأساسي

عرفت المولوية بأنها طريقة الأداء الصوفي الذي أسسها جلال الدين الرومي في مدينة قونية (604-672هـ/1207-1273م)، وهو أفغاني الأصل عاش معظم حياته في مدينة قونية التركية ويدعى الشيخ الرومي (مولانا).

سميت المولوية بذلك اشتقاقاً من كلمة المولى أو مولانا، ويبدو أن مصطلح مولوي عرف في القرن التاسع الهجري (القرن الخامس عشر ميلادي)، وكل فرد من المولوية يسمى درويش.

عندما مُنعت التكايا في تركيا أيام أتاتورك أصبح المركز الرئيسي للمولوية في حلب، وكانت تجري الحفلات في (جامع الملاخانة/التكية المولوية)التي تقع إلى الشرق من المتحف الوطني.

رقصة المولوية
رسم لرقصة المولوية

حركة المولوية

الانتظام  هو مايميزهم أثناء الدوران ولكل فرد وظيفته الخاصة بالحركة:

الدراويش يدورون  حول أنفسهم كما الكواكب وبجهة عكس عقارب الساعة حيث الدوران حول الجسد يمثل رمزية التوحيد، وهم رافعين اليد اليمنى وخافضين اليسرى كرمز للربط مابين السماء والأرض، وهذه الحركة مناجاة للخالق ودليل انعقاد الصلة مابين الأرض والسماء.

الشيخ يدور حول نفسه دورات خفيفة ويكون كرمز الشمس وإشعاعها.

الميدانجي يدور بين كواكب المولوية (الدراويش) لينظم حركة التجذاب ويمنع اصطدام الدراويش ببعضهم.

الدرويش
حركة  الدرويش

لباس المولوية

الكلاه(الكولاه) هي كلمة فارسية تعني القلنسوة وهي مشابهة للطربوش لكنها أطول ولونها بني فاتحاً، كما أنها مصنوعة من وبر الإبل اللباد وهي في خشونتها ترمز إلى قسوة الحياة ويلبسه الدراويش أما الشيوخ فإنهم يلقون على الكولاه عمامة يطلق عليها الدستار، ويقال أن الكولاه ترمز إلى شاهدة القبر.

التنورة وهي عبارة عن لباس يكون ضيقاً من الكتفين إلى الوسط ثم يتسع فيصبح كالقمع، واللون الأبيض يرمز إلى الكفن.

الخرقة وهي مشلح أسود بأكمام فضفاضة رمز الزهد والتقشف وأن الدنيا فضفاضة.

المولوية
لباس الدراويش

 

الصِلة مابين المولوية و (التكية المولوية/جامع الملاخانة) في حلب

في التكية مطبخ للطعام، والمنتسب الجديد كان يجب أن يخدم في المطبخ، ويطبخ روحياً وثقافياً قبل أن ينسبه الشيخ إلى فرقة المولوية ويضع على رأسه الكولاه، ويتخرج درويشاً وشيخاً.

عندما كانت تقام حفلة المولوية في حلب الشوارع تَمتلئ بالناس من ساحة باب الفرج وحتى جامع الملاخانة حيث تقام الحفلة، وتسبق الحفلة دعوة إلى طعام العشاء وبعد الصلاة تبدأ السهرة حتى منتصف الليل مع أجمل الموشحات والقدود والأغاني الدينية،ويجلس حول الدركاه(المسرح) وجهاء المدينة.

رقصة المولوية
جامع الملاخانة/التكية المولوية

الدركاه(المسرح)

كان ينصب (الدركاه) وهو ما يشبه خشبة المسرح دائري الشكل، في وسطه فراغ لإحداث صوت ضخم، والمسرح يرتفع عن الأرض بما يسمح للمشاهدين بالرؤية الواضحة، وهو مُسيّج وله باب صغير حديدي وفيه بساط دائري، وسجادة عجمية، ويجلس في السدة العليا الفرقة الموسيقية المؤلفة من عازف الناي، ضارب الخليلية، الطبلات، الصنج، النكرزان.

بداية حفل المولوية

تبدأ الحفلة بعزف الفرقة الموسيقية، ثم يصعد الدراويش إلى الدركاه، فيحيون البسط معتبرين أن الشيخ الأكبر جلال الدين الرومي جالس عليه، ثم يأخذون أماكنهم ويصعد الشيخ الذي يعتمر بالدستار فيأخذ مكانه في الوسط، ويتقدمون منه تباعاً فيحيونه بطريقة المقورشة (تبادل تقبيل اليد) ثم يبدؤون بالتتالي بالرقص، حفاة الأقدام، ويدور الميدانجي بينهم منتظمين الحركة، وتبدو الدركاه كسماء حقيقية تنتظم فيها المجموعة الشمسية في حركة فلكية بالغة الروعة.

 

انتهاء رقصة الدراويش

مع انتهاء الرقصة الأولى يضرب الميدانجي بقدمه على الأرض الخشبية فيصدر صوت قوي وتكف الموسيقى عن العزف وتنتهي الحركة الأولى من الفتلة  التي تدعى دورة سلطان ولد، ثم يعقب ذلك وصلة من الموشحات الدينية والقدود، وينهض الدراويش للرقصة الثانية، ومع انتهاء الرقصة الثالثة ينتهي العرض المسرحي المسجدي، ويلبس الدراويش الخرقة، ثم يتلى الدعاء ويحيون الشيخ، ثم يغادرون الدركاه.

لقد وجدت المولوية ترحيباً واسعاً من الناس على مختلف طبقاتهم الاجتماعية، من حيث تقاليدها في الرقص الدائري والحركات الرمزية المرتبطة بها، حتى أصبحت جزءاً من الفلكلور الديني الذي تمارس طقوسه حتى اليوم ولاسيما في المناسبات الدينية مثل الإسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف وشهر رمضان الكريم.

 

 

المراجع:

  • رواس قلعه جي، عبد الفتاح. مدخل إلى الجمال الإسلامي،1991.
  • الأسدي، خير الدين.أحياء حلب وأسواقها،دمشق،1984.
  • حجار، عبد الله. معالم حلب الأثرية،ط3 ،حلب،2010.
  • جالودي،عليان. التحولات الفكرية في العالم الإسلامية، 2014.
  • بيازيد، مهند.المولوية من رقصة صوفية إلى فلكلور شعبي، مجلة التراث الشعبي،وزارة الثقافة،دمشق،العدد 23، 2021.
  • الأسدي، خير الدين. موسوعة حلب المقارنة،م7.
  • كيال، منير. دمشق الشام ذاكرة المكان، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة،دمشق،2010.