تتميزُ رقصة السماح عن جميعِ الرقصات في العالم، بالتعبير بحركة الأيدي أكثر من حركة الجسد، فالرّاقصون في رقصة السماح ظهورهم ثابتة، لا ينحنون، ولا يقفزون، ولا يركضون، خطواتهم صغيرة، ومتأنية، تبدو أحياناً كأنّها مشي، لكنّها انسيابية ومتواصلة
أُطلق رقص السماح على الرقص الجمعي الرزين، وهو تضافرٌ إبداعي مشرقي (رقصة قديمة ذات ألحان خاصة بها).
خصائص رقص السماح
تتميز رقصة السماح بالعديد من المميزات والأوصاف أهمها:
تلازم الإنشاد والرّقص فيه، والإنشاد هو في الغالب اليوم للموشحات، والقدود، وكان من قبل للأذكار والاستغاثات، والأدعية.
جماعيّة الرّقص، إذ تؤديه مجموعةٌ من الذكور، أو من الإناث أو مجموعةٌ من الجنسين معاً.
رقصُ أدب وحشمة ورزانة، لا مُجونَ فيه ولا إثارة ولا عنُف أو صخب، بل جدّية في الأداء ومرونة في الحركة وبراعة في التشكيل.
يُعتبر شكلاً من أشكال المسرح العربي مثله مثل المقامات، حفلات الذّكر، خيال الظلّ، وصندوق الدنيا، والمداح وغيرُها من الفنون، اعتبره بعض النُقاد متفرعاً من فاصل ديني أو صوفي.
لكن الغالبُ على رقص السماح، أنه رقصٌ جماعيٌ يرتكز على حركاتٍ إيقاعية مصحوبة بغناءِ الموشحات وهو الغناء الكلاسيكي الذي يتميز بإظهار الإيقاعات الشرقية والغربية، تمثيل حياة الفنانين المتصوفة.
تنوع رقصاته التي تزيد على المائة وخمسين رقصةً.


أصل رقصة السماح
يعيد المؤرخون نقل السماحِ إلى الشعوب القديمة التي كانت في مبنجَ التابعة لحلبَ (هيرابوليس) التي أسسها الحثيون في الألف الثاني قبل الميلاد، ونَمت وازدهرت في عهد الآراميين. لكنّ معظم الباحثين في الموسيقى نسب رقصة السماح إلى الشيخ عقيل المنبجي أحدِ شيوخ الطريقة الصوفيةِ في بلدة منبج.
يقول الشيخُ عمر البطش: أنّ الشيخ عقيل المنبجي ابتكر حركات خاصة منوعة بالأقدام لتقوم بتأدية الإيقاع ومرافقة الغِناء بدلاً من الأيدي.
ذكرها دوزي في تكملته وعدّها من رقصِ الدراويش، وقد اختصت حلبُ دون سواها برقص السّماح.
وقد ذكرها العلامةُ خير الدين الأسدي في موسوعته حلب المقارنة، وأورد بعد ذكرها مثلاً شعبياً متداولاً في حلبَ عن رقصة السّماح قائلاً: (عمرك شفت دب برقص سماح؟).
وعندما أسّس البارودي المعهد الموسيقي الشرقي التابع لهيئة الإذاعة السورية عام 1947 استدعى عمرَ البطش لتعليم الموشحات والإيقاع ورقص السماح، حيث لعب الشيخُ عمر البطش دوراً هاماً في تطوير الصيغ المعاصرة لرقص السماح والخروج بها من حلقات الذّكر، وزوايا وبيوت المتصوّفة ونقل هذا الرقص إلى دمشق، حيث قام بتدريب طالبات مدرسة دوحة الادب على رقص السّماح.
سماح أبي خليل القباني
كان السماح في مسرح أبو خليل القباني بسيطاً، لكنه تميز بالحركة والتكيف مع المواقف والألحان، وكان اللباس عبارة عن التنورة الأرناؤوطية وتحتها الجوارب المزركشة، أما الرأس فتارة كان حاسراً توضع عليه جدائل اصطناعية من الشعر للزهو، وتارة توضع عليه عمائم كولاك، في حين أن العقال، والكوفية لأدوار الأمراء.
أنواع رقص السماح
تتميز رقصة السماح بخصائص قديمة وخصائص حديثة تتراوح بينها خصائص فنية وخصائص شعبية.
سماح التكايا: وهو عبارة عن حلقات رزينة تتحاشى الزركشة والسرعة تؤديه مجموعة من الذاكرين، ويكثر فيها النهز أي رفع الجسم على رؤوس الأصابع وخفضه، وأيضاً الدوران حول النفس. وإلى اليوم يرقص المشايخ في دمشق وحلب وغيرهما هذا الرقص الرزين الرتيب من السماح.


سماح المحافل المدرسية: كفرق المسرح المدرسي وهو أقرب إلى الرشاقة والسرعة، لكنّه يظل رزيناً، محتشماً تتدافع تشكيلاته وتتداخل صفوفه، ثم تتقابل وتتوازى وتروح وتجيء ويغلب عليها السرور والبهجة.
الفني المسرحي: الذي يفرق الرقص الشعبي الفني، مثل فرقة أمية، أو فرقة زنوبيا، أو الفرق الشعبية للفنون غالباً ما يعرض على شكل لوحات في موضوعات غزلية أو اجتماعية، حركاته مدروسة تقوم على السماح المتوارث عن القباني والبطش ولكنه مطور أو يدخله التطوير.


السماح الريفي: نجده في ريف إدلب، معرة النعمان، أرمناز، كفر تخاريم، أريحا وغيرها وأيضاً ريف دمشق أو ريف اللاذقية، وهو السماح المتوارث يتميز بالفخامة والتهويل، كما يدخله الترقيص الشعبي بالمناديل الملونة والتنويع في ضغوطه وضرباته وتصفيقاته.
السماح الشعبي: مصدره اللواء الغربي ويسمى السماح الغربي، يعتمد على خطوات للأمام وللوراء ثم دوران في المكان.
لم تكن رقصة السماح مجرد تحريك لأجزاء الجسد وحسب بل كانت تعبر عن تناعم روحي ومكنونات داخلية تخرج بحركات انسيابية أنيقة محتشمة تتبلور أمام العامة لتعبر عن تراث قديم أصبح اليوم طي النسيان.
المصدر
- بن دزيل، عدنان: رقص السماح والدبكة
المجلات
- مجلة الشهباء الثقافية، العدد 20، ت 2017