رحى للمدن القديمة

المنبر في المساجد الإسلامية، منصة الوعظ والإرشاد

يشكل المنبر في المساجد والجوامع مع المحراب تكاملاً معمارياً وفنياً، ويعتبر منصة الوعظ والإرشاد والتوجيه.

منبر مسجد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام

لا شك بأن أول منبـر كان زمن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، حيث كان يخطب بالمسلمين بمسجده وكان مصنوعاً من خشب الآثل، ويتألف من ثلاث درجات؛ ومن ثم تطور في العهد الأموي زمن خلافة معاوية ليصبح بست درجات.

واهتم السلاطين والولاة بمنبر مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي العهد العباسي قام بعض الخلفاء بتجديده لتقادم صناعته وفي عام (664 هجرية) احترق المسجد النبوي واحترق المنبر أيضاً فأرسل الملك الظاهر بيبرس منبراً جديداً له، وخطب عليه حتى سنة (797 هجرية)، وكذلك فعل الظاهر برقوق  سنة (797هجرية) وفي عام (820 هجرية) أرسل المؤيد شيخ منبراً جديداً للمسجد النبوي حتى احترق المسجد النبوي عام (866 هجرية)، كما أرسل قايتباي عام (888 هجرية) منبراً من الرخام، وأخيراً أرسل السلطان العثماني مراد واحداً مصنوعاً من الرخام جاء في غاية الإبداع ولايزال قائماً.

المنبر في العصر الاسلامي
رسم للمنبر في العصر الإسلامي

منبـر المسجد الأقصى في القدس

كما اهتم الولاة والأمراء المسلمين بمنبر المسجد الأقصى كونه ثالث الحرمين، فقام السلطان نور الدين زنكي بتصنيع منبر للمسجد الأقصى في حلب، لكنه توفي قبل أن يحضره إلى المسجد، ولما قدم صلاح الدين الأيوبي وعادت القدس للدولة الإسلامية جاء به من حلب، ووضعه في مكانه إلى جدار المحراب، ونُقش عليه نص تأسيسي باسم المنشئ نور الدين محمود زنكي، ولكنه أُحرق عام (1969م). وكان قد صنعه نجار من حلب يسمى الأختريني.

منبر المسجد الأقصى

منبر الجامع الأموي الكبير في حلب

كما فعل السلطان نور الدين زنكي بتصنيع منبر للأقصى، قام بتصنيع منبر آخر للجامع الأُموي الكبير بحلب، ويعتبر من أقدم المنابر في العالم الإسلامي، وقد صنع من الخشب المطعم بالصدف والعاج وخيوط الفضة، فجاء آية من آيات الفن، وقد وصفه الكثير من الرحالة والمؤرخون، لعل أهمهم الرحالة الأندلس ابن جبير بقوله (وقد استفرغت الصنعة القرنصية جهدها في منبره، فما أرى في بلد من البلاد منبراً على شكله وغرابة صنعه، واتصلت الصنعة الخشبية فيه إلى المحراب فتجلّلت صفحاته كلها حُسناً على تلك الصفة الغريبة وارتفع كالتاج العظيم على المحراب). لكنه قد احترق عام (1285م). وصنع منبراً آخر من خشب الأبنوس وهو أيضاً بديع الصنعة تتخلله قطع من العاج تدل على مبلغ هذا الفن الرفيع.

"</a

ولا يقل منبر الجامع الأموي بدمشق أهمية عن منابر تلك المساجد والجوامع، فهو أيضاً من آيات الجمال والإبداع والذي يزين قبلية الأموي بعظمة فنية تعبر عن عظمة هذا الجامع الأعجوبة.

ولاتزال المدن السورية كحلب ودمشق وغيرها تضم العديد من المنابر التي اختلفت مواد صنعتها من خشب إلى رخام وحجر جميل ليصبح المنبر أحد مفردات العمارة الأساسية للمساجد، والتي تحدثك بجماليات الإبداع في هذه الصنعة والتي تميزت بها حلب عن غيرها من المدن الشامية.

 

إعداد: أ. أحمد الغريب

المرجع: مكتبة رحى للمدن القديمة