رحى للمدن القديمة

المكتبات في الحضارة الإسلامية

 

تُعتبر المكتبات أعظم مؤسسة تربوية اجتماعية أوجدها الانسان لخدمته وقد عرفت الحضارة الإسلامية كمثيلاتها من الحضارات السابقة المكتبات العامة والمكتبات الخاصة التي يمتلكها الأفراد، والمكتبات التي تتبع الدولة أو التي ينشئها الخلفاء والأمراء والمكتبات التابعة للمدارس ومكتبات المساجد التي تُعتبر من أوائل المكتبات نشوءاً في الإسلام، لاندري بالضبط متى أنشأت أول مكتبة في المساجد، لكن يبدو أن العادة جرت منذ أقدم العصور الإسلامية أن يودع الناس في المساجد عدداً من نسخ القرآن الكريم وغيره من الكتب الدينية النافعة ولهذا فإن مكتبة المسجد ظهرت منذ اتخاذ المسلمون المسجد مكاناً للصلاة وللدراسة.

الأسباب التي أدت إلى نشوءها

اعتمد ظهورالمكتبات في الحضارات على عدة أمور منها: الـتأليف والتبادل الثقافي بين الشعوب والترجمة، فبعد أن انتقل المسلمون من طور الشفافية والحفظ إلى طور الكتابة والتدوين والترجمة، زاد عدد الكتب وزداد اهتمامهم بمواد وأدوات الكتابة، فتوجهوا إلى تدوين الكتب الإسلامية، وكذلك الكتب التي تحفظ تراثهم وتاريخم وآدابهم، الأمر الذي ساهم أيضاً في نشوء المكتبات ظهور حركة الوراقين وقد وجدت دكاكين الوراقين في الدولة العباسية منذ أوائل أيامها.

 أشهر مكتبات المساجد

ازدهرت في العصر الإسلامي بعض المساجد الإسلامية وأصبحت من أكبر مراكز التعليم والدراسة التي جذبت الطلاب في جميع أنحاء العالم، وفيما يخص المساجد الكبرى فقد كانت تضم أكثر من خزانة واحدة للكتب، وكان منها مكتبة مسجد القمرية الذي بناه المستنصر بالله، ومكتبة جامع المنصورية في بغداد.

وأشهر مكتبات بلاد الشام مكتبة جامع بني أمية في دمشق، مكتبة مسجد أبي الفداء في حماة، ومكتبة المسجد الأقصى في القدس.

أمّأ في مصر فقد كانت مكتبة الجامع الازهر هي الأشهر على الاطلاق، كما وتأسست في المغرب العربي مكتبة جامع الزيتونة. ومكتبة مسجد طليطلة في الاندلس، ومكتبات مساجد قرطبة.

وقد كانت هذه المكتبات سهلة الارتياد تقدم الخدمات لكافة روادها وتنقل التراث الإسلامي لكن من يرغب التعلم بها.

مكتبات
                                                                          مكتبات المساجد

 

 المكتبات المستقلة في الحضارة الإسلامية

كانت المكتبات محط اهتمام الخلفاء، وقد ازدهرت لمجرد وجود خليفة أو أمير أو حاكم محب للعلوم والآداب وقد اتفقت معظم المصادر أن هناك العديد من المكتبات قد اشتهرت ووصلت شهرتها لمختلف الأمصار الإسلامية، وتعد مكتبة بيت الحكمة في بغداد التي أنشأها هارون الرشيد سنة (194 ه / 786م) أول مكتبة عامة وأكاديمية تقام في البلاد الإسلامية من أشهر المكتبات التي عرفها التاريخ على الإطلاق فكانت هذه المكتبة بمثابة دار للعلم جلس فيها الكثير من الأدباء والعلماء والنساخ، زودها بكل ما نقل إلى العربية من كتب الطب وعلم النجوم والفلك، كما ان هارون الرشيد أمر بأن تضاف مقتنيات مكتبة بيت الحكمة التي جمعها أبو جعفر المنصور، بالإضافة الى الكتب التي جمعها عن الروم بنفسه وبفضل ما قام به الخليفة هارون الرشيد من إنجازات حضارية أصبحت مدينة بغداد قبلة لطلّاب العلوم الدينية والعربية.

لقد كانت هذه المكتبة خير دليل على مدى ثقافة الخلفاء العباسيين، ومما زاد من نهضتهم العلمية وحركة رواج الكتاب التوصل الى صناعة الورق في عهد هارون الرشيد نظراً لِأهمية الورق في التأليف والترجمة والنسخ، أقدم في العصر العباسي الأول الوزير برمكي الفضل بن يحيى سنة 178 هجرية على إنشاء أول مصنع للورق في بغداد.

كان الورق عاملاً مساعداً على النشاط العلمي وتقدمه ومنها ظهر التنافس في اقتناء الكتب، وقد عمل في مهنة الوراقة العديد من العلماء والأدباء كياقوت الحموي وابن الجوزي وغيرهم، وكانت دكاكين الوراقين ملتقى الأدباء والعلماء وكان الكثير من الوراقين يعرفون بدلالي الكتب.

لم يتوقف دور مكتبة بيت الحكمة على اقتناء الكتب وحركة الترجمة والمناظرات والمناقشات والندوات فقط، إنما تعدى ذلك إلى رصد الأجرام السماوية وتسجيل نتائج تلك الأرصاد.

أمّا المكتبة الثانية التي بلغت أوج شهرتها مكتبة دار العلم أو دار الحكمة في القاهرة التي بلغت ذروتها في عهد الفاطميين وأصبحت من أهم المراكز الثقافية في العالم، في بداية الأمر أسس الخليفة العزيز مكتبة في قصره جمعت اعداد ضخمة من الكتب، لكن ما قام به الحاكم بأمر الله من اهتمام شديد بالمكتبة ومحتوياتها فاق الجميع فقد أنشأ مكتبة ضخمة تضاهي مكتبة بغداد وقد بلغ تعداد كتبها مليون و/600/ ألف كتاب وكانت مكتبة متنوعة تضم كتب من كافة المجالات (نحو، لغة،حديث، تاريخ..) سميت بدار العلم أو دار الحكمة. كان الغرض من تأسيسها مساعدة سائر طبقات المجتمع في التعليم والتحصيل مما جعلها معهداً أكاديمياً بكل ما للكلمة من معنى.

كما وكانت الأندلس حاضرة الإسلام في قلب أوروبا التي بفضلها نقل المسلمون الورق إلى أوروبا، إلى جانب الحضارة والعلم دور كبير في نشوء المكتبات .

بلغت نحو السبعين سوى منها  الخاصة، وكان أشهرها مكتبة قرطبة التي أنشأها الأمويون بلغت أوج ازدهارها في عصر المستنصر الذي كان له وكلاء في كل البلاد الإسلامية.

تميزت مكتبة قرطبة باقتنائها للكتب النادرة والثمينة، وقد جمعت خزانة قرطبة حوالي 400 ألف مجلد، في حين أن شارل الخامس ملك فرنسا في القرن الثامن الهجري لم يستطع أن يجمع في مكتبة فرنسا أكثر من 900 مجلد خمسها في اللاهوت.

بلاد الشام الكثير من المكتبات وكانت منتشرة في دمشق وأنطاكية وفي حلب لكنها أُحرقت جميعاً بسبب غزو المغول وكان هناك مكتبات في عهد الزنكيين أيضاً وقد أنشأ نور الدين خزائن للكتب عُرفت باسم الخزائن النورية.

خدمات المكتبات الإسلامية

شيدت للمكتبات أبنية مستقلة على طراز خاص لأهمية الدور الذي كانت تقوم به، فقد خصصت بعض الحجرات فيها للمطالعة وبعضها للنسخ والترجمة ، وقد وضعت المكتبات الإسلامية على اختلافها أنظمة تصنيف واعتمد في أغلبها نظام الرفوف المفتوحة حيث يتناول القارئ الكتاب بنفسه سوى بعض المخطوطات والكتب النادرة، وكان يعين على المكتبة هيئة من المسؤولين وعلى رأسهم خازن المكتبة  عملهم إداري وعلمي في نفس الوقت لهذا كان يشترط  فيمن يختار المنصب أن يكون من الراسخين في العلم ومن فطاحل العلماء ومشاهير، لأنه يحفظ ويتعامل مع أغلى ما تملكه الأمة ألا وهو فكرها.

خدمة المكتبات
                                                          خدمات المكتبات

كان للمكتبات  على اختلاف أنواعها دور في الاسهامات العلمية والثقافية ليس على مستوى الامصار الإسلامية بل على مستوى العالم وهذا أن دل على شيء فهو يدل على تأصل حب العلم لدى أصحاب هذه الحضارة.

المراجع

  1. حمادة، ماهر محمد: المكتبات في الإسلام نشأتها وتطورها وأمصارها.
  2. عليان، ربحي مصطفى: مكتبات المساجد والمكتبات العامة في الحضارة العربية.