حلب والموصل من المدن العربية التي كان لها دور حضاري وتاريخي متميز في نشر الحضارة العربية الإسلامية، تميزت كلا المدينتين بموقع يطل على سهول خصبة ومناطق زراعية واسعة ويعتبرا جزءاً من منطقة جغرافية متشابهة.
حلب والموصل وطريق التجارة العالمي
تشترك المدينتان بوقوعهما على طريق مواصلات مهم للتجارة الدولية، فكانت تخرج القوافل من الموصل إلى حلب محملة بالبضائع وتسير عن طريق حلب إلى سواحل البحر المتوسط وبالعكس، فكانت حلب مركزا هاماً للقوافل القادمة من آسيا الوسطى وأقاليم نهر الفرات ودجلة وغيرهم.
السمات المشتركة بين حلب والموصل
المدينتان قديمتان من حيث المنشأ وتم تمصيرهم وتخطيطهم مع قيام الدولة العربية الإسلامية، وهما متشابهتان في النسيج العمراني، فقد زودت كل مدينة بتحصينات وأسوار وأبراج، وقد تحدث المؤرخون عن قرب التشابه بين المدينتين من حيث الأبراج والأبواب ووجود المشاهد المقدسة في كلا المدينتين والمساجد والمدارس والبيمارستانات، ومن أشهر جوامع الموصل الجامع النوري ومئذنته الحدباء، أما في حلب يعد الجامع الاموي من أهم الجوامع في المدينة.




وبسبب وقوع المدينتين على طريق تجاري هام، كان لابد من الاهتمام بالأسواق في كل منهما، ونلاحظ تشابه في توزيع الأسواق والقيسريات والخانات، وكان في الموصل عشرات الخانات الكبيرة والساحات الواسعة التي تحط فيها القوافل، وبلغ عدد أسواق الموصل حوالي 36 سوقاً كل سوق مخصص لبيع سلعة محددة، وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة حلب فقد ضمت حوالي 36 سوق أيضاً كل منها مخصص لسلعة معينة، وسقفت هذه الأسواق بالاسقف الخشبية ولاحقاً أصبحت أسقف مقبية، وتعرف اليوم أسواق حلب باسم المْدينة.




وعلى صعيد العمارة العسكرية والتحصين فقد حوت الموصل قلعة يصفها الرحالة ابن جبير ويقول: “وفي أعلى البلدة قلعة عظيمة قد رص بنائها رصاً، ينتظمها سور عتيق البنية مشيد البروج، وتتصل بها دور السلطان، وقد فصل بينهما وبين البلد شارع متسع”
أما قلعة حلب فهي أكثر أهمية وتحصين، ويقول فيها الرحالة ابن جبير: “شهيرة الامتناع، بائنة الارتفاع، معدومة الشبه والنظير في القلاع، سبحان من أحكم تقديرها وتدبيرها، وأبدع كيف شاء تصويرها، عتيقة الازل حديثة ولم تزل” وهي تعد من كبرى قلاع العالم وأجملها.




الحالة الثقافية في المدينتين
كان هناك تشارك ثقافي بين المدينتين، وكان يوجد إقبال من قبل علماء الموصل على زيارة حلـب في بداية العصر الايوبي، وكانت مدينة حلب بحاجة إلى علماء يساهمون في تنمية وازدهار الجانب العلمي فيها، وبعد تطور الحركة العلمية فيها أصبحت بمثابة عامل جذب لهم وذلك بفضل تشجيع السلاطين الايوبيين على المجيئ إلى حلب والبقاء فيها من خلال انشاء مدارس خاصة بهم، وعلى الرغم ان الموصل كانت متطورة من الناحية العلمية الا انها كانت فقيرة بالمدارس مقارنة مع حلب، وكان للأحداث السياسية دوراً كبير بانتقال علماء الموصـل إلى حلب، فعند اقتراب المغول من أطراف الموصل قام بدر الدين لؤلؤ بتعطيل المدارس فيها لفترة معينة، وكان العلماء الذين استقروا في حلب على قدر كبير من العلم ومعظمهم درس وتتلمذ في بغداد المركز الثقافي الأول في العالم الاسلامي آنذاك الامر الذي انعكس ايجاباً على حلب.
سبب الإلفة بين المدينتين
الحدث الذي زاد من الترابط والتآخي بين المدينتين هو عندما حوصرت حلب من قِبل الفرنجة سنة 518ه/ 1125م، شعر أهالي حلب بضعف أميرهم تمرتاش وعدم قدرته صد الهجمة عنهم، فقام وفد من حلب برئاسة أبي الحسن بن الخشاب بالذهاب الى الموصل طلباً للمساعدة من اميرها “أقسنقر البرسقي”، فاستجاب لمطلبهم ورد الخطر عن حلب.
وكل ما سبق جعل من المدينتان توأمتان تتشابه في كثير من الأشياء، وجعل لهم تاريخ عريق مشترك، إذ تعتبر المدينتين من أكبر المراكز العمرانية في الدولة العربية الإسلامية ولا يقلان أهمية عن بقية المراكز ولهما تاريخ حافل على مر العصور.
المرجع: مكتبة رحى للمدن القديمة