رحى للمدن القديمة

الزجل فن الأدب الشعبي

فن من فنون الشعر، يختلف المنظرون في تحديد أصله فبعضهم يقول أنّه سرياني. ولدفي منطقة بلاد الشام ثّم سافر إلى الأندلس، بعضهم يقول إنه أندلسي ثم جاء إلى المنطقة لكن أياً كان أصله صار الزجل فناً شعرياً منتشراً من إسبانيا إلى شرق المتوسط.

لا يعتمد هذا الفن اللغة العربية الفصحى إّنما يستخدم اللهجات الدارجة في مناطق منبته وهو في كل منابته يستخدم أوزاناً مشتقة من أوزان الشعر العربي لكنها تتجاوز القوالب الصارمة لهذه الأوزان بما يتناسب مع الموسيقى الخاصة بالأداء الصوتي الخاص باللهجة وهذا ما يتيح ظاهرة التماثل والاختلاف في فن الزجل.

تعريف الزجل

يُعرف الزجل على أنّه تماثل في القواعد الناظمة للبنية (اتباع نسق واحد ينتظم فيه الوزن والقافية وعدد الشطرات واختلاف في الأنساق المستخدمة تبعاً لاختلاف المنظومات الزجلية).

 لُغوياً: تعني رفع الصوت طرباً ولعلّ هذا ما يجعلها مرتبطة دلالياً باستخدامها الجمعي والشعبي، فالزجل يفرض الاستماع والمقصود وجود أشخاص أمام الزَجالين أو القوالين الذين يقولون هذا الشعر، وهذا الشكل الجماعي لأداء الزجل هو الشكل الذي انتهى إليه هذا الفن في منطقة شرق المتوسط.

طقوس الزجل

يقوم الزجل على التنافس بين القوالين الزجالين في إطار احتفالي خاص بالمناسبات الاجتماعية وهذا لا يمنع من استمرار وجود زجالين يقدمون إبداعاتهم بشكل إفرادي، أو يطبعونها في دواوين مكتوبة.

كانت هذه المنافسات أو المناظرات نشاطاً متلازماً للحفلات الريفية حيث لا تخلو قرية من قوّالها وربما عدد معين من القوالين.

لم يكن القوّال وجيهاً للقرية إنّما لسانها فقد كان يفاخر بخصائص قريته وبأفعالها وزعمائها، وتكون الأشعار بين القوّالين مرتبطة بحدث معين كالزواج أو الموت، أو لها أغراض عامة مثل الحب والغزل والسفر والغربة.

  1.  ينتخب القّوال مجموعة من الشباب تعمل كجوقة غنائية ملازمة له في الحفلات.
  2. تقوم هذه الجوقة بتحميس القّوال وتشجيعه بالتصفيق أو باستخدام نداءات الاستحسان.
  3.  تؤدي الإيقاع الموسيقي الذي ينظم إلقاء الزجل أو غنائه، باستعمال الآلات الإيقاعية كالدف والرق والدربكة.

تجري المناظرة الزجلية بعدد مختلف من المغنين الشعراء، وتبدأ بقصيدة افتتاحية يلقيها الشاعر الرئيسي، ثم يبادر أحد زملائه برّدة تتضمن موضوعاً للمناظرة، فيرد شاعر آخر بردّة ويتصاعد الحوار بين الشعراء المتناظرين، وغالباً ما يشارك الحضور بالغناء من خلال ترديد الشطر الأخير من الردة مرتين متتاليتين بنغمة مُتناسقة من النغمة التي اختارها الشاعر.

أغراض الزجل

منذ أن استقر الزجل شكلاً من النظم أصبح مُعترفاً به، حيث عالجت منظوماته مختلف الأغراض التي طرقتها القصيدة العربية التقليدية، كالمدح والهجاء والغزل والوصف، وقد استمرت تلك الأغراض قائمة يتناولها الزجالون على توالي العهود والعصور حتى اليوم، غير أنّ للزجالين، في كل عهد معين وبيئة محددة مجالات يرتبطون بها، ومن ثم كان مركز اهتمامهم ينتقل من أغراض بعينها، تَلقى قبولاً في هذا المجال أو ذاك، إلى أغراض أخرى تختلف باختلاف العهود والبيئات الثقافية التي ينتمون إليها.

كان زجالي الأندلس في القرن السادس الهجري، وزجالي العصر المملوكي في القرن الثامن ينظمونه ويلتفون حول دوائر خاصة ومجالس كان مدارها الغناء والتنافس في إظهار المهارة والتأنُّق، وعندما أصبح للصوفية وجودها في الحياة الاجتماعية بات من أهل التصوف يُنظم الزجل وهنا غدا  مليئاً بالمواعظ والحكم ووَصف أحوال الصوفي.

وعلى هذا النحو تنقلت محاور التركيز في أغراض الزجل وموضوعات منظوماته، إلى أن جاء العصر الحديث وأصبحت مواجهة الاستعمار والتغير الاجتماعي هُما الشغل الشاغل للأمة، حيث أخذ الزجالون يشاركون في الحركة الوطنية. وهنا صار الزجل مرتبط بالقضايا الاجتماعية والسياسية.

أنواع الزجل

للزجل أنواع عديدة يصعب حصرها، وذلك بسبب ارتباطه بمجموعة متعددة من اللهجات ولتنوع أمكنته، ولتعاقب أجياله.

يقول ابن خلدون في مقدمته (أنّه لما شاع فن التوشيح في الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته، وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا به إعراباً.. واستحدثوا فناً سمّوه الزجل واعتمدوا فيه على مناحيهم لهذا العهد فجاؤوا فيه بالغرائي واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة).

والظاهر من هذا القول أنه قد نشأ بتأثير من التوشيح، أو أنه قد تولد منه ومن هنا تبدو العلاقة وطيدة بين هذين الفنيين، وعلى المنوال نفسه تمّ استحداث أنواع زجلية عديدة في أقطار أخرى من الوطن العربي تُعرف على النحو الآتي:

  1. عرض البلدِ، فاس
  2.  المواليا، بغداد
  3.  كان وكان، واسط العراق
  4. القوما، القاهرة
  5. الدوبيت، العراق
  6. السلسة، العراق

مراحل الازدهار عبر التاريخ

يعدّ القرن السادس الهجري نهاية عصر ملوك الطوائف وبداية عصر المرابطين طور ازدهار الزجل والذي بدأ بتشجيع من الحكام الذين كان حسهم باللغة العربية لا يبلغ حس سابقيهم من ملوك الطوائف، ويُعد ابن قزمان إمام الزجل في هذا العصر، تجاوز شهرته الأندلس إلى المغرب والمشرق، وقد صدر ديوان أزجاله “صوت” في الشارع لأول مرة عام 1896م.

أمّا في العصر الحديث كان لانتشاره وصلته بالحركة الوطنية أثرهما في تنامي الكتابة النقدية حوله، فظهرت مقالات تعريفية في الصحف والمجلات وفي مقدمات دواوين الزجالين.

مع قيام النهضة العربية الحديثة، انتقل  إلى طور جديد فقد تبنى الزجل فئة من المثقفين الذين كانوا فصيلاً في حركة النهضة الوطنية. وقد جاهدوا في تطوير وتنمية أدواته ووسائله الفنية للاستفادة من إمكاناته في تيسير توصيل أفكارهم إلى جمهورهم المُبتغى.

أماكن انتشاره في سورية

كانت المناظرات الزجلية عادة مستحبة في الاحتفالات الاجتماعية، انتشرت بشكل خاص في الريفين الغربي والجنوبي من سورية ويعود ذلك بسبب بساطة الحياة الاجتماعية الحّرة نسبياً في هاتين المنطقتين حيث تسود ثقافات أقل تشدداً من الثقافات المحافظة في المناطق الداخلية والشرقية.

غالباً ما يرافق المناظرات الزجلية التي تحصل في المناسبات الاجتماعية في سورية كأس من العرق.

تراجع الزجل

في العقود الأخيرة تراجع هذا الفن تراجعاً مثيراً في عموم مناطق انتشاره السورية، في حين تطور جداً في لبنان حتى أن الزجالين السوريين الكبار كانوا ينتقلون إلى العيش في لبنان لتتسنى لهم ممارسة إبداعهم في هذا الفن.

بلغ تطور الزجل في لبنان ليصبح تعبير ثقافي حيّ، يزود اللبنانيين بروح من الهوية الثقافية والانتماء، كما تم إدراجه في قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2014م.

تراجع الزجل كفن من فنون الأدب الشعبي في سورية لسببين رئيسين:

1- فنٌ لا يستخدم اللغة العربية الفصحى وإنما يعتمد بشكل حصري على اللهجات المحلية وهذا ما لا ينسجم مع الإيديولوجية القومية العربية السائدة فتَرَكز الدعم على الشعر المكتوب بالفصحى على حساب النتاجات الأدبية المعتمدة على اللهجات العامية.

2-المناظرات الزجلية تحتاج إلى هامش واسع من حرية التجمع وحرية التعبير، فجلسات الزجل لا تحتاج إلى تصريح لتُعقد، والأشعار التي تقال فيها تتميز بالصراحة والحرية. زاد الاهتمام بالزجل وبالمناظرات الزجلية بشكل ملحوظ في منطقة الجولان عقب احتلال إسرائيل لها وهو ما يعتبر شكل من أشكال النضال السلمي لتثبيت هويتهم وانتمائهم لوطنهم الأم سورية

 

المراجع:

1-عبّاس، حسّان: الموسيقى التقليدية في سوريا، المكتب الميداني لليونسكو، بيروت،2018.

2-العماطوري، معين حمد: الزجل نشأة وتاريخ وأغراض وأوزن ومعانٍ، مجلة التراث الشعبي، ع21، وزارة الثقافة مديرية التراث الشعبي، سورية،2021.