تقدمت صناعة الخزف في العصور الإسلامية تقدماً عظيماً، والسبب هو بزوغ فجر الدين الجديد فاستبدل الفنان المسلم الصور الآدمية والحيوانية بشبكة من الزخارف الهندسية والنباتية، ومن خلال أعمال التنقيب تبيّن بأن الخزف من أجمل تحف الفن الإسلامي على الرغم من قدم حرفيته فإنه على صلة وارتباط عميق بالإنسان لذا فمن الطبيعي أن تكون الآثار الخزفية أول ما يعثر عليه في مواقع التنقيب لأنها لا تتأثر كغيرها، ولا تزال الحفائر الأثرية تكشف دائماً كميات وافرة من الخزف الذي يساعد على تأريخ المواقع الإسلامية.
الفرق بين الخزف والفخار
يتم صناعة الخزف من طينة مركبة لأنه يضاف إليها العديد من المواد كالمادة الزجاجية أما الفخار يتم صناعته من طينة طبيعية ولا يضاف له أي مكونات أخرى.
يعتبر الفخار أقل صلابة من الخزف ويكون مسامي الشكل مما يسمح بنفاذ الماء وهذا موجود في بعض أنواعه أما الخزف فإنه غير مسامي.
يتم تشكيل الخزف وفق المطلوب باليد أو الدولاب أو القالب ومن ثم تشوى الطينة في أفران خاصة أكثر من مرة على عكس الفخار فهو يشوى مرة واحدة، ويستطيع الخزاف التحكم بدرجة ألوان القطع في أثناء تصنيعها.
أنواع الخزف الإسلامي
الخزف ذو النقوش البارزة انتشر هذا النوع في العصر العباسي في العراق وكانت مراكزه المهمة في سوسة وسامراء وفي سورية، وسلطان آباد وقاشان. حيث أنه أضيفت العناصر الزخرفية فوق السطح المستوي.
الخزف ذو النقوش المحفورة بشكل غائر بدأ انتاجه في العصر العباسي، وقد عثر على هذا النوع من الخزف في سامراء والفسطاط، نفذت زخارف هذا النوع بطريقتين:
الأولى: بالنقش البارز على الأختام بالشكل المطلوب ومن ثم تطبع على عجينة الإناء اللينة فيصبح النقش بشكل غائر.
الثانية: بالحفر بشكل غائر قبل طلائه.
والخزف المحزوز تحت الدهان أهم مراكزه فارس وانتشر في دمشق في العصرين المملوكي والعثماني وهو من أقدم أنواع خزف العصر الإسلامي، بعد طلاء الآنية بالبطانة ترسم عليها الزخارف ويتم نزع الأجزاء الغير مرغوبة حتى الوصول إلى اللون الأصلي للإناء فيبدو وكأنه يحوي لونين من الزخارف، وبعدها يطلى بطبقة من البريق الشفاف ويشوى.
الخزف عبر العصور الإسلامية
بدأت أولى القطع الخزفية تظهر في عصر الدولة الأموية منذ القرن (٢هـ/٨م).


في العصر العباسي (٣هـ/٩م ) بدا تأثر نقوش الخزف بالفن الساساني وتميز الخزف بهذا العصر باستعمال البريق المعدني بتعدد الأشكال وذلك بسبب ازدهار الحضارة الإسلامية ويعد من الحلول الابتكارية الرائعة، فابتكر الفنان المسلم الخزف ذا البريق المعدني، وقد توجب على ذلك المرور بعدة مراحل فنية كي يتم صنع الخزف ذي البريق كالتالي:
- تصنيع الآنية من الطين وحسب الشكل المطلوب، وتغطى المصنوعات بطبقة رقيقة أخرى من طين نقي من النوع الجيد وهي المسماة البطانة أو الملاط، وتوضع الآنية في داخل الفرن كي تشوى وتصبح فخاراً ثم تخرج الآنية من الفرن ويقوم الخزاف بتسوية سطحها وطلائها بطبقة زجاجية معتمة.
- تعاد إلى الفرن ثانيةً لتثبيت الطبقة الزجاجية عليها ثم تخرج من الفرن وتزين بالزخرفة والنقوش التي يتم رسمها بواسطة مزيج من مواد مختلفة قوامها أوكسيد الفضة،أو كلوريد الذهب السائل، وقد تستعمل أكاسيد أخرى عند الحاجة، وتتم عملية مزج هذه المواد بعضها مع بعض بإضافة التراب الحديدي مع أحد الحوامض، كالخل لكي تتفاعل هذه المواد بعضها مع بعض مكونةً محلولاً، بواسطته ترسم الأشكال الزخرفية المطلوبة
- تعاد الآنية إلى الفرن للمرة الثالثة على أن تكون نار الفرن هادئة، وذلك لأن الفرن الشديد الحرارة يذيب المحلول الذي رسمت به الزخرفة .
- تبقى الآنية داخل الفرن فترة قصيرة ثم تخرج منه، وحينذٍ تظهر عليها طبقة براقة متلألئة لا تلمس، ويترك المحلول المعدني فوق سطح الآنية.
وهكذا نجد أن تلك العمليات المتعددة المتبعة في صناعة الخزف ذي البريق المعدني، هي التي تكسبه أهمية، وتجعل ثمنه غالياً، وخاصةً أن كل خطوة هي مرحلة من العمل.


تقدمت صناعة الخزف في العصر الفاطمي (٤-٦هـ/١٠-١٢م ) من خلال تنوع الزخارف فتعددت النقوش على الخزف بموضوعات جديدة.


في العصر الأيوبي (٦-٧هـ/١٢-١٣م) تميز الخزف بسماكته الرقيقة وأرضيته الخضراء ذات الزخارف السوداء وظهرت التماثيل الخزفية ذات البريق المعدني وعرفت بلاد الشام في هذا العصر أوعية البارلو المخصصة لحفظ الأدوية السائلة وكانت مزخرفة بكتابات الخط الكوفي والنسخي أو بزخارف نباتية وكائنات حية.


الخزف المملوكي (٨هـ/١٤م) وعرف في دمشق ما يسمى بخزف غيبي نسبة للخزاف الدمشقي غيبي التوريزي أحد أشهر الخزافين في القرنين (٨-٩هـ/١٤-١٥م)وانتقل إلى مصر وعلّم حرفة الخزافة وأصبح لديه أتباع ينسبون إليه، وقع على أعماله بأكثر من أسلوب ورسم تحت الطلاء باللون الأزرق على خلفية بيضاء ورسم الزخارف النباتية وهو شبيه بخزف سلطان أباد والخزف الصيني (سيلادون) و ظهرت الشعارات المملوكية على الأواني كالكأس والمقلمة والبقجة وإن دمشق أخذت مكاناً متقدماً في صناعة الخزف.


وظهر الخزف في العصر العثماني في القرن (٨-١٣هـ/١٤-١٩م) فابتكر الفنان العثماني أشكالاً متنوعة مثل السلطانيات ذات الأغطية الهرمية والدوارق الأسطوانية.


وهكذا نجد أن التقدم الاجتماعي والصناعي والحضاري الذي طرأ على الحياة ساعد على انقراض حرف كثيرة من الحياة ولكن مازالت صناعة الخزف مستمرة حتى وقتنا الحالي.
المراجع:
- الجفان، سوزان أحمد.الخزف في العصر الإسلامي، موسوعة الآثار في سورية، م6، 2020.
- العاصي،عربي ولميا جنيدي.حرف التراث من دمشق الأساس مدخل إلى دراسة تاريخ الحرفة،1985.
- غوانمة، يوسف. دمشق والناس في عصر دولة المماليك.
- حسن،زكي محمد. الفنون التشكيلية الإسلامية وتأثيرها على الغرب.
- الهدلق، إبراهيم. الإسلام وبعده، مجلة الفيصل، العدد 334، الرياض ، السعودية، 2004.