لا يمكن حصر ابتداع التشكيل الزخرفي للنجمة بزمنٍ وحضارةٍ معينة فهي موغلةٌ في القدمِ منذ أن خَطّ الإنسان خطوطاً تطورت لتُعبّر عن فكرٍ فنيٍ حمل تفاسيراً لمحيطه الكوني انعكس في فنون تراثه وحضارته.
الشواهد الفنية الأولى للنجمة
منذ عصور ما قبل التاريخ رسم الإنسان خطوطاً متقاطعة على شكل نجمة، فمن اللقى الأثرية في موقع تل العبر في الفرات وعاءٌ فخاري يعود إلى الألف الخامس ق.م في إطاره نجمة سداسية.
وفي الشرق القديم اهتم الإنسان بعلم الفلك وانعكس في مقدساته، ففي بلاد الرافدين نُقشت النجمة الثمانية في المنحوتات الأثرية في الألف الثاني ق.م وهي ترمز إلى الإلهة عشتار التي تُعبر عن الخصب والتوالد والبقاء.


انتشر هذا التشكيل الزخرفي في العصور اللاحقة في المعالم المعمارية من كنائس وجوامع وقلاع وقصور ودور سكنية. وظهر في فن الأرابيسك Arabsque المكون من أشكالٍ هندسيةٍ تتضاعف وتتشابك في امتداد لا نهائي لتُشكّل نسيج من الأشكال المتناسقة المُفرَغة ومنها النجوم الخماسية والسداسية والثمانية.
النجمة في مباني العصر الإسلامي
من غيضِ فيض الشواهد في العصر الإسلامي نذكر ما يلي بتسلسل تاريخي:
- في العصر الأموي تظهر النجمة السداسية في النوافذ الجصية في قصر الحير الغربي في البادية.
- في العصر الأيوبي نرى تشكيلاً للنجمة الثمانية في قلعة حلب في قمريات حمام القصر الملكي وفي مدخل القصر الملكي، بالإضافة إلى تشكيل النجمة السداسية بتقاطع المثلثين في مئذنة جامع المقام الأعلى في قلعة حلب. في حين يتفرد تشكيل مختلف لها في مدخل خانقاه الفرافره في حلب وفي فناءها سقفٌ خشبي يضمّ الشكل السداسي والثماني لها. كذلك نُقشت النجوم في النقود فنراها في أوجه الدراهم.






- في العصر المملوكي يكثر النحت الفني لها باختلاف أشكالها من خماسية وسداسية وثمانية في فناء قاعة العرش في قلعة حلب.
- في العصر العثماني تكاد لا تُحصى الأمثلة عن النجمة السداسية في مباني حلب القديمة، فنراها في الجوامع كما في مئذنة الزاوية الكمالية، وفي الواجهات الداخلية لتكية أصلان دادا المُرممة في العصر العثماني وفي الدور التقليدية في دار غزالة في الواجهات والأرضيات، وفي سبيل البيك وفي ساعة باب الفرج نرى تشكيلاً للنجمة الخماسية والسداسية.




مدلول النجمة
تُفسّر معاني النجوم على اختلاف أشكالها بأنها تحمل معاني أسطورية وقدسية وفلكية، فالسداسية مكونة من التقاء مثلثين متقابلين ممثلين بالسماء والأرض وبتقاطعهما تتشكل الحياة وترمز إلى الوجود الأوحد. وحملت الخماسية عند فيثاغورس رمز الإنسان بأنه مركز الكون وعبّر عن ذلك ليوناردو دافنشي، والرباعية تشير إلى المخلّص السيد المسيح.
وتفسير الثمانية المؤلفة من مداخلة مربعين، مربع يُعبّر عن القوى الأربعة في الطبيعة (الهواء والتراب والماء والنار) ومربع يُعبّر عن الجهات الأربع، وتداخل المربعين يعني بأن قوى الخالق تفوق كلّ شيء. وظهرت معاني النجوم في كُتب المفكرين من أمثال ابن سينا والسهرودي وغيرهم، ومنهم من يربط الأشكال النجمية ببحور الشعر العربي.


فبذلك تبقى النجمة من أكثر الرموز التي تمتلك حضوراً فنياً وفلسفياً روحياً في مختلف الأزمان وفي شتَّى بقاع الأرض.
المرجع
- عفيف بهنسي، معاني النجوم الزخرفية. الحوليات الأثرية العربية السورية المجلد 31.