ضمت مدينة دمشق عدد من الأوابد الدينية المهمة كالمساجد والجوامع ومدارس الفقه الإسلامي، ومن بين تلك الأوابد، الترب والمزارات المهمة، وقد بلغ عدد الترب في دمشق عدداً لا باس به، بعضها للسلاطين والملوك والامراء وبعضها الاخر لرجال الدين، وكانوا اما ان يتم دفنهم في المقابر العامة او يتم تخصيص مدافن خاصة تلحق بأحد الجوامع او المدارس، وكان موضع الدفن يسمى مقبرة او قبة واخيراً استقر اسمها على “التربة”.
سبب غنى دمشق بقبور الحكام ورجال الدين
خلال الفترات التاريخية التي كانت دمشق عاصمة للدولة الإسلامية كانت تضم قبور ملوك وسلاطين تلك الدول، فعلى سبيل المثال خلال العهد الأموي ضمت دمشق عدداُ كبيراً من قبور حكام بني أمية، ولكن عندما دخل العباسيون دمشق خربوا تلك القبور ولم يبق لها أثر، والقبر الوحيد الذي نجى من ذلك الوقت قبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الاموية، الموجود في مقبرة الباب الصغير.


وبعد العهد الأموي أهملت دمشق حتى العهد السلجوقي التي شهدت فيه المدينة نهضة عمرانية واسعة، وفي هذا العهد ظهرت الترب الملكية خلال النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، ويعتبر أول ظهور للترب في دمشق خلال العهد النوري.
الهدف من تشييد الترب والمزارات
كان الهدف من تشييد الترب تخليداً لذكرى المتوفي بالإضافة لمقاصد أخرى أهمها فعل الخير ابتغاء مرضاة الله، وبعض الترب ضمت محاريب لإقامة الصلوات، وزودت بعدد من الكتب، وقد كان وقف الكتب على الترب أمر شائع، والجدير بالذكر ان عادة بناء الترب على القبور لم تظهر في العصور الإسلامية، بل ظهرت في الفترات التي سبقت الإسلام.
السمات المعمارية للترب والمزارات
حرص معظم الملوك والسلاطين على تشييد تربهم في حياتهم، وتنافسوا في جعلها اماكن غاية في الجمال تنشرح لها الصدور بعيداً عن كآبة القبور ووحشة المقابر، وكانت تزود المقابر بأحواض ماء وسبلان تتيح لعابر السبيل تلبية حاجته وقراءة الفاتحة لروح المتوفي.
وغالباً ما تزود واجهات الترب بنصوص كتابية من القرآن الكريم ونصوص تدشينيا، واحياناً تضم نصوص تتألف من عبارات تهديد ووعيد لمن يتعدى على التربة واوقافها.
وكان الشكل العام للتربة حجرة مربعة الشكل يتوسطها الضريح ومسقوفة بقبة، وفي العهد المملوكي تتطور بناء الترب وزادت العناصر الزخرفية التزينية، وزاد ارتفاع القباب وبعضها بني على رقبتين، وظهر نظام القباب المتناظرة، كما في تربة الشيخ حسن او تربة المختار في حي الميدان التحتاني، واستخدم نظام الابلق في البوابات كما في التربة الدوباجية في سفوح جبل قاسيون.


دمشق ورفاة القادة الثلاثة الذين تصدوا للحملات الصليبية
ضمت دمشق رفاة القادة الثلاثة الذين تصدوا للحملات الصليبية وهم السلطان نور الدين محمود الزنكي وتربته في المدرسة النورية
والسلطان صلاح الدين الأيوبي تربته في المدرسة العزيزية


والسلطان الظاهر بيبرس البندقداري وتربته في المدرسة الظاهرية


وإلى جواره تربة الملك العادل سيف الدين أبو بكر شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي في المدرسة العادلية، كما يضم الجامع الاموي في دمشق مشهد لرأس الحسين بن علي رضي الله عنهما وبجواره مشهد لزين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، وبالقرب من الجامع الأموي في حي العمارة يوجد مقام للسيدة رقية بنت الحسين رضي الله عنهما، كما يضم حي الصالحية عدة ترب أهمها تربة الشيخ محي الدين ابن عربي.
مكانة دمشق الدينية
تضم دمشق أهم المقابر على صعيد العالم الإسلامي وهي مقبرة باب الصغير، إذ تضم رفاة عدداً كبيراً من آل البيت ورجال الدين، والعلماء والمؤرخين كالفارابي وابن عساكر والحافظي وابن قيم الجوزية، ومازالت إلى اليوم مكان لدفن الشخصيات المهمة.


وأيضاً توزعت الترب في الاحياء المجاورة لمقبرة باب الصغير كمنطقة باب الجابية وحي الشاغور، ومن الترب الموجودة في هذا الحي، تربة الأمير بهادر آص المنصوري، والتربة الحيبغائية في منطقة السويقة خارج باب الجابية.
وكل هذه الترب والمزارات جعلت لمدينة دمشق هالة قداسة ومكانة دينية عند الناس وإلى اليوم يقصدها الناس للتبرك بها.
المراجع
- الدارس في تاريخ المدارس، عبد القادر النعيمي الدمشقي.
- مدافن الملوك والسلاطين في دمشق، خالد معاذ، مجلة الحلويات الاثرية العربية السورية.
- مباني الصالحية الأولى، أحمد فائز الحمصي، مجلة الحوليات الاثرية العربية السورية.
- مشاهد ومزارات آل البيت (ع) في الشام، هاشم عثمان.
- الباب الصغير مقبرة، أكرم علبي، موسوعة الاثار في سورية، م3.
- دمشق تاريخ وصور، قتيبة شهابي.
- مشاهد دمشق الاثرية، عادل عبد الحق وخالد معاذ.