في رِحاب الرَّقَّة كَبُر وتَرعْرع الأديب عبد السلام العجيلي على ضِفَاف الفُرات، تَميزَتْ عائلته بِكَثرَة مُتَعَلِّمِيهَا، وكان لبيئَته دورٌ كبيرٌ في تغذية شَخصيتِه لِيُصْبِح كاتباً بارعاً فالرَّقَّة مدينةٌ غنيةٌ بِقَصص وحكايا الأجْداد والميثولوجيا التاريخية لذا كانتْ مَلَاذَه ومكان إلهامه لدرجةٍ جعلته يُهاجر دمشقَ بكلِّ مُغرَياتِها لِيعود إليها.
حياة الدُّكْتُور عبد السَّلام العُجيْلي


الطبيبُ الإنسان ُ والأديبُ المتميِّز، قاصٌّ روائِيٌّ ناقدٌ وباحثٌ
وُلِدَ في الرَّقَّةِ عامَ 1918ميلاديًّا، وتَربّى على يد جَدِّه الصارمِ تربيةً اسبارطية.
تلقّى تعليمَه فِي الرَّقَّة، وبعدها مضى لِدارسة الإعدادية في مدينة حلب، لكنَّ المرض أعاده إلى الرَّقَّة ليقضي أَربَع سنواتٍ في قراءة كُتُب التَّارِيخِ والدِّين، والقِصص الشعبيَّة، ودواوين التراثِ العربيِّ، بَعدَ ذلك أتّمَّ دراستَه في ثانوية المأمون بحلب قبل أنْ يلتحقَ بِكُلِّيّة الطِّب في جامعة دمشق، ويَعود إلى الرَّقَّة طبيباً.
الأعمال الادبية للدكتور عبد السلام العجيليّ
اِنخَرط في الأدب وكانت الْكِتابة واحدةً مِن أسرار العُجيلي، نَشَر عام 1936 قِصتَه الأولى ( نَومان) في مجلةِ الرسالة المصرية المرموقة، كما نَشر بأسماء مُسْتعارةٍ قِصصاً وقصائد وتعليقات في مجلة الكُشوف اللُّبنانِيَّة،وفي سِواها من الْدَوريَّات الدمشقية.
اُعتُبِرَتْ كتاباتُه في المجالِ الأدبيّ مِنْ أَهَمِّ وأغْنى الروايات الأدبيَّة في تاريخ الأدب العربيِّ منذالأربعينيات، فقد كان يحاول من خِلال ما يكتُبُهُ أنْ يَلْتَقِطَ الرَّقَّةَ قطعةً قطعةً لِيعيدَ تشكيلها في مَشْهد أدبيّ حَيَّر الُنقَّاد في توصيفِه.
دَوّنَ تَجرِبَته الشَّخصِيَّة كَطبيبٍ في بَعض الكُتُب التي ألّفها مثل:
(أحاديثُ الطَّبيب، عِيادةٌ في الرِّيف،حكاياتٌ طِبيَّة).
عَامِ 1947م اِنضمَّ العجيليّ للحياة السِّياسِيَّة بانتخابه أصغرَ نائبٍ بالبَرْلَمَان السُّورِيّ وَقْتَها وكان مِنْ الشَّباب السوريين الذين انخرطُوا وحاربُوا في صُفُوف جيش الإنقاذ عام 1948 ميلاديًّا.


مَكث في الرَّقَّة لِيُمارس نَشاطه كطبيبٍ، إلا أنّه ظلَّ شَغُوفاً بالكتابة حتّى وصل انتاجُه الأدبيُّ إلى 44 كتاباً مابين رواية وقصة سياسَة وشِّعر وقد تميّزتْ كتاباته بالبساطة حيث استخدم مُعْجماً قريباً من القَارئ العاديّ.
اِمْتللك ديواناً شعرياً واحداً ، ومَع ذلك كان مِن أكبْر مُبدِعي عَصْره شِعراً ونثراً لِتَفوقِه في كِتابة المُونُولُوج والشِّعْر بأَنواعه كَما كتب المواليّا وهي من أبرز أنواع الشعر الشَّعبيّ الغنائِيّ في وَادي الفُرات ومنْ هُنا جاءَتْ تَسميَتُه بشاعر الْفرات.
كتبَ في أدب الرَحلات وفي أدب الرثاء، وعَمِل على إحياء أدب المقاومة. بَرَع في كتابة قِصص الْخَيال العلميّ.
لقد كان الأدبُ عند العُجِيليّ محاولةً دائمةً لاستكشاف الحياة، وأسرارِها مرتبطاً بعالمِه القَصصي المُفعم بالغرابة، والغموضِ والتعقيد والتداخ، كما كان يرى أن المهمَّةُ الاساسية التي نُدِب العُجَيلِيُّ لأدائِها منذ البداية هي استكمال ما عَجَزَ العلمُ عن كشفِه.
المناصب التي تقلّدها الدكتور عبد السلام العجيلي
عام 1962ميلاديًّا عُيِّن الدُّكتُور عبد السِّلام وزيراً للثقافة، وعندما عَيَّنَ العُجَيْلِيُّ نزار قباني دبلوماسياً في سفارة سورية بإسبانيا عاتَبَه الدكتورُ بشيرُ العظمةِ رئيس وزراء سورية وقتها قائلاً :(يا عبْدَ السِّلام لَعلَّك عَيَّنت نزارَ في إسبانيا فقط لأنّه صديقُكَ)
فأجابَ العُجيلي: (لقدْ نقلتُه لإسبانيا، ليس لأنّه صديقي ولكن لأنه شاعرٌ وإسبانيا تحتاج إلى شاعر)


اعتزل جميع المناصب السِّياسية، وعاد إلى الرَّقَّة التي غَذَّته وهيأتْ له سبيل المعرفة، واَكْسَبتهُ خَصائِص معيَّنةً لِيعيش بين أهلِه، وعشيرتِه طبيباً يخدم المرضى ويُداويِهِم، ويتفرغُ للكتابة والسَّفر.
نال العديد من الأوسمة والدروعِ كما تُرجمت أعمالُهُ إلى قُرابة 12 لغةً أجنبيةً منها الإنجليزيَّةُ والإيطالية، كما تُرجِمَتْ له ثلاثةَ كُتُبٍ الى اللُّغَةِ الفرنسية وأيضاً دُرِّست بعضُ مؤلفاتِهِ في المدارس والجامعات.
في أواخرِ 2005 تّم تكريمُ الدكتورَ العجيليَّ حيث تنادى عددٌ من الروائيين والنقاد والعرب إلى إقامة حفل تكريم له وقد وفد عددٌ كبيرٌ منهم من الوطن العربي لكنّ صِحةَ العجيلي منعته من الحضور لذلك قاموا بزيارته في منزله.


وفاته:
ازدادت صحةُ العجيليِّ تدهوراً في عامِ 2006 حتّى أصبح غيرَ قادر على النُطق، ودخل غيبوبةً إلى أن وافته المنِيَّة في الخامس من نيسانَ عن عمر نَاهز 88 عاماً، وُدفن في مدينته الرَّقَّة.
اتقن هذا الكاتب والطبيبُ العظيم كيف يحيا لا أن يعيشَ كغيره فهو الفارسُ الذي ترجَّل عن خَيلهِ من عُمقِ الصحراءِ السورية نقياً كذراتِ رَمْلٍ، تحولت إلى تُربةٍ تُزهر عِلماً ليصبحَ طبيباً يداوي الألآمَ ويعاصرَ الحكايةَ، ومن أهمِّ أدباءِ العصرِ الذين خاضُوا غِمَارَ السياسة فيكون عَيناً لها على الوطن.
المراجع
1-القيم،علي: الدكتور عبد السلام العجيلي جوهرة الفرات، وزراة الثقافة.