تزخر الحضارة السورية بتنوع خصب للتراث العمراني، والذي تنوعت أشكاله وحقبه الزمنية. ولعلّ المدافن الجماعية بالأبواب البازلتية هي إحدى مفردات هذا التراث والذي يشكل الهوية الجمعية للعمارة الجنائزية، حيث اشتهرت تدمر بمدافنها البرحية، والمدن الميتة بالمدافن الهرمية، والتي امتازت بغناها الحضاري.
وقد برع المعمار والنحات السوري منذ العهد الروماني وما تلاه من عهود بإضفاء عبقريته الفنية على تلك المباني.
وزودت المدافن الجماعية بأبواب كانت أغلبيتها من الحجر البازلتي.
وعلى الرغم من قساوة هذا الحجر ومقاومته إلا أن المعمار السوري استطاع أن يُطوِّع هذا الحجر وتفاعل معه روحانياً من خلال ما أضفى عليه من زخارف ونقوش اتخذت أبعاداً دينية وفنية.
ففي الفترة المسيحية المبكرة حاول المعمار نقل الموروث الثقافي الزخرفي والتي كان يستخدمها في أرضيات الفسيفساء وسواكف الأبنية إلى واجهات الأبواب البازلتية، وكان يبتعد بمفردات الزخارف عن التأثير الهلنستي لهذه الزخارف فكانت ولادة عبقرية المعمار المحلي.
زخارف الأبواب البازلتية
لزخارف الأبواب البازلتية سمة دينية غالبة على هذه الزخارف لاسيّما في الفترة المسيحية المبكرة، فقد كان يقسم الباب إلى عدد من الحقول المربعة بالطول والعرض ليُحدث فراغاً ضمن المربعات حيث كانت تُملأ بعناصر زخرفية لها دلالات طقسية عقائدية تتقاطع مع الرسالة الإنجيلية، كالصليب والذي اُستخدم بكثرة في العهد البيزنطي لما يحمله هذا الرمز من بُعد ديني، حيث يمثل القيامة (قيامة السيد المسيح) بالإضافة لبعض الطيور كالحمام، والصليب المعقوف الذي يرمز إلى الأبدية واللانهاية، والطاووس، والأشجار، وأمفورة يحيط بها طائرين، وإشارة الألغا والأوميغا، وهما رمز البداية والنهاية، حيث حرف الألفا هو الحرف الأول من الأبجدية اليونانية القديمة، والأوميغا هو الحرف الاخير من تلك الأبجدية، ويُقصد بذلك السيد المسيح، ودوائر ومربعات وأشكال هندسية مختلفة،
كما أضيف إلى الأبواب بروزات دائرية نافرة على شكل مسامير، وأشكال زخرفية أخرى لعلّ الكثير منها يميل إلى الاتجاه التجريدي.
ووُضع على الباب مقبض ثُبّت بالرصاص، كان للباب بروزان على جانبه من الأعلى والأسفل يدخل ضمن أجران لتأمين سهولة الحركة للباب. وبعض الأبواب كان يوثق التاريخ عليها.
وتضم متاحف القطر العديد من نماذج الأبواب البازلتية والتي تميزت بغناها الزخرفي الديني والفني، والتي تمثل نمطاً عمرانياً حضارياً هاماً.
إعداد: أ. أحمد الغريب
المرجع: مكتبة رحى للمدن القديمة