رحى للمدن القديمة

إيبلا مملكة سورية غيرت قراءة التاريخ

لا شك بأن اكتشاف مملكة إيبلا في تل مرديخ -ناحية سراقب- شكّل ثورة معرفية، وفتحاً علمياً وتاريخياً، وأعاد قراءة التاريخ للمنطقة الممتدة من نهر الفرات شرقاً للبحر المتوسط غرباً، ومن جبال طوروس شمالاً لحدود مملكة قطنا (المشرفة) جنوباً.

” لم يكن للأناضول وبلاد الشام تاريخ في الألف الثالث ق.م ، لأن شعوب تلك البلدان لم تكن تعرف الكتابة والتدوين”  فون زودن صاحب المعجم الآكادي

تبين للعالم (فرانز ارولي) أستاذ الساميات في جامعة فلورنسا- بعد تحليل الجوانب الاشتقاقية لكلمة إيبلا الموثقة في الشواهد الكتابية المسمارية منذ حوالي /2400/ ق.م، أن إيبلا مستمدة من كلمة (عبل) والتي تعني في المعاجم العربية (عبلة) أي الشريط الضيق من الصخر الأبيض على أرض سوداء.

خريطة توضح موقع مملكة إيبلا
موقع مملكة إيبلا

مساحة مملكة إيبلا والمكتشفات الأثرية

يقوم التل على مساحة حوالي /60/ هكتار، ويتقاطع شكله مع شكل المدن السورية القديمة.

ففي وسط المدينة مركز يرتفع عن بقية المناطق على غرار الأكروبول (المكان المرتفع) ويشتمل على المركز الإداري والديني، وعلى المدينة السفلى ذات الشكل الشبه المنحرف والمحاط بسد دائري يمثل ماتبقى من تحصينات المدينة.

قامت البعثة الإيطالية برئاسة البروفيسور باولو ماتييه، بالتنقيب ضمن مساحة صغيرة في جنوب غرب الأكروبول، حيث اكتشف القصر الملكي، ولاحقاً المكتبة الملكية، أمّا الأحياء السكنية فمن المؤكد أنها امتدت إلى المدينة السفلى، كما يحيط بالمدينة سور مرتفع تتخلله أربع بوابات رئيسية في زواياه.

ورد اسم إيبلا كقوة سياسية وحضارية وعسكرية في نصوص آكاد وتل العطشانة /ألالاخ/، وإيمار /مسكنة/ قرب الفرات، وفي نقوش تحوتمس الثالث على جدران معبد الكرنك بمصر.

القصر الملكي في تل مرديخ
القصر الملكي
القصر الملكي في تل مرديخ
القصر الملكي

ازدهار مملكلة إيبلا

بدأ الاستيطان البشري فيها منذ النصف الثاني للألف الرابع قبل الميلاد حيث كانت مجرد مستوطنة صغيرة، وبدأت بالنمو والتوسع وساعد موقعها بالقرب من منطقة المستنقعات /المطخ/ على نموها حتى أصبحت في النصف الثاني للألف الثالث ق.م. مملكة هامة، وبلغت ذروة مجدها وتألقها.

هذا الازدهار والنمو لإيبلا جاء نتيجة سيطرة المملكة على مصادر تمويل الأخشاب من غابات الجبال الغربية لسورية، وتجارة المعادن الثمينة المستخرجة من الأناضول والمنسوجات النفيسة والمجوهرات التي اشتهرت بها إيبلا، وقد ذكرت أقمشة إيبلا في نصوص مدينة لاجاش (بلاد ما بين النهرين).

وتوسعت العلاقات التجارية لإيبلا ووصلت إلى الشرق الأدنى (أفغانستان) يؤكد ذلك العثور على عدد من أحجار اللازورد فيها والتي مصدرها أفغانستان، كما عُثر على عدد من الهدايا المقدمة من فراعنة مصر، وهذا تأكيد آخر على توسع العلاقات السياسية والتجارية لإيبلا. كما إن نفوذها وحسب إحدى ترجمات النصوص المسمارية هي سيطرة ملك إيبلا على ممر نهر الفرات وكانت جباية العبور في النهر تعود بريعها له.

مملكة إيبلا
الحي الجنوبي

المكتبة الملكية

إلا أن الاكتشاف الأهم والمذهل هو للمكتبة الملكية والتي ضمت بين جنباتها آلاف الرقم المسمارية عام /1974م/ والتي سَلّطت الضوء على تطور التشريعات والقوانين والاتفاقيات، كما كان لهذا الاكتشاف إحداثيات هامة أسقطت على هذه المنطقة جملة من التغييرات لقراءة المشهد التاريخي والحضاري لهذه البقعة من العالم، والتي كانت تشغلها المملكة.

الأرشيف الملكي
رقيم مسماري

ومن خلال أعمال التنقيبات للبعثة الأيطالية والتي بدأت عام /1964م/  تبين أن دمار هذه الحاضرة التاريخية كان في عهد البرونز الأوسط نحو /1600/ ق.م، وأَفَلت شمس هذه المملكة في نهاية القرن السابع ق.م . بعد أن تحولت إلى بلدة صغيرة، نتيجة الصراعات بينها وبين الممالك الأخرى ونتيجة ما تعرضت له من غزوات وحروب قوضت معالمها وحولتها إلى أطلال دارسة.

 

إعداد: أ. أحمد الغريب

المراجع

  • إيبلا-عبلاء- تأليف /باولو ماتييه-الفونسو آركي.. وغيرهم/ ترجمة قاسم طوير.
  • مملكة إيبلا – وعلاقاتها الدولية – باولو ماتييه وغيره- ترجمة قاسم طوير -جامعة روما-1983.
  • تاريخ سورية في مئة موقع-/ د.يوسف كنجو-اكيرا تسوينكي/- عام 2017.
  • الآثار السورية -محموعة أبحاث أثرية وتاريخية – قدم لها د. عفيف بهنسي – ترجمة د.نايف بللوز.