تَكثرُ المدنُ بِغنى مَواقعها الأثرية من مختلفِ العصورِ التاريخيةِ في الأردن ومنها مادبا الواقعة إلى الجنوب من عَمَّان، فبُنيت على تلٍ يُخفي في باطنهِ ما تبقى من آثارِ البلدةِ التاريخية.
لمحة عن تاريخ مادبا
بَقي اسمُ مادبا القديم نفْسهُ عبرَ التاريخ مع تعديلٍ طفيف في اللفظ، حيث وُرد اسمها في العديدِ من الكتاباتِ التاريخية القديمة ووُردت في الكتاب المقدس باسم ميدبا التي تُعدُّ من أقدمِ المُدن ِالمؤابية.
يعودُ تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد فأسسها المُؤابيون في القرنِ الثالث عشر قبل الميلاد، حيث كانت جزءاً من مَملكتهم الممتدة شرقَ نهرِ الأردنِ. تَوالت عليها العديد من الحضارات التي حَكمت المنطقة وتوسعت في الفترة الرومانية حيث زُينت شوارعها بالأعمدة وأُنشئت الهياكل وأُضيفَ سورٌ خارجي لكن لم يبق منها أثر سوى الفسيفساء، وازدهرت في الفترة البيزنطية وأصبحت مركزَ مطرانية فكانت من أهم المراكز الدينية والتجارية في بلاد الشام.


فسيفساء مادبا الكنسية
يقعُ في محيط مادبا العديد من المواقع الأثرية والأماكن المقدسة المتمثلة بمواقعِ الحج المسيحي منها جبلُ نبو. فكثرت فيها الآثارُ الكنسية من أهمها كنيسةُ تُعرفُ باسم كنيسة الخريطة أو الخارطة أو كنيسة القديس مار جرجس وكنيسة العذراء وكنيسة الكاهن يوحنا، ولعلَّ انتشار بناءِ الكنائس في مأدبا في الفترة البيزنطية واستمرارها في القرن السابع الميلادي في العصر الإسلامي أعطى دلالةً على الرخاءِ الاقتصادي.
اشتهرت مأدبا بفن الفسيفساءِ حتى سُميت بمدينة الفسيفساء، حيث أنّه قد يتم العثور على طبقة من الفسيفساء تعلوها طبقة أخرى أو طبقتين.


الخريطة الفسيفسائية في كنيسة مار جرجس
من أهم الآثار الفسيفسائية الموجودة في مادبا على الإطلاق هي الخريطة الفسيفسائية التي يعودُ تاريخها إلى منتصف القرن السادس الميلادي، وهي خريطة للأرضِ المقدسة. عُثرَ عليها عندَ حفرِ أساساتِ بناءِ كنيسة القديس مار جرجس فشكّلت جزء من أرضية إحدى كنائس مادبا القديمة حيث كانت تغطي مساحةً واسعةً بأبعاد(16م×6م).
تُظهرُ الفسيفساءُ البلادَ من لبنان شمالاً إلى دلتا النيل جنوباً، ومن الصحراء خلف البحر الميت شرقاً إلى شاطئ البحر المتوسط غرباً؛ ومدينةُ القدسِ هي المهيمنةُ على الرسمِ المُمَثل. تضمُّ أبنيةً ورسوماً لأشجار النخيل والجبال والسهول والأسماك التي تسبحُ في نهر الأردن ونهر النيل وسفينة تُبحر في البحر الميت. وأُرفقت بكتاباتٍ توضيحية للمباني والمدن ونُفذت بمختلف الألوان فكانت في غاية التميز.
لم يبقى منها سوى ثلث مساحتها الأصلية ووجودُ هكذا تحفة فنية يدل على مكانة مادبا، وتعتبرُ واحدةً من أقدم الخرائط فهي بالغةُ الأهمية لتعيين مواقع المدن القديمة.




فسيفساء كنيسة العذراء
يوجدُ في البلدةِ عددٌ آخر من الأرضياتِ الفسيفسائية منها ما يعودُ إلى القرنِ السابعِ ميلادي في كنيسةِ العذراءِ، وقد نُفذت بعض منها بزخرفةِ التشبيكِ وهي عبارة عن زخارف متشابكة ومجدولة ذاتُ عُقَد يَنتُجُ عنها أشكالاً لا متناهية مكررة، تتوسطها كتابة يونانية غنية بمحتواها اللاهوتي فمما ذُكر “إنْ أردتَ أنَ تنظرَ إلى مريم، كُنْ طاهراً ذهناً وجسماً وأعمالاً”.


نلحظُ أنه بتنوعِ الموضوعاتِ الزخرفيةِ المُصوّرة في الفسيفساء من نباتيةٍ وهندسيةٍ وحيوانيةٍ بأبعادها الرمزية والميثولوجية، تتفردُ من بينها فسيفساءُ مادبا بكونها دليلٌ جغرافيٌ ملموسٌ لأحدِ أقدمِ الخرائط التي تُمثل القدسَ والشرقَ الأوسطَ في القرنِ السادس الميلادي.
المراجع
- ميشيل بيشريللو، مادبا كنائس وفسيفساء.
- لانكستر هاردنج، تعريب سليمان موسى، آثار الأردن.
- د. عبد الله العساف، تاريخ مأدبا وجوارها.
- رندة قاقيش، نظرة جديدة إلى فن الفسيفساء البيزنطي رموز ذات دلالات سحرية في الزخارف الكنسية (الأردن نموذجاً).